لم تكن جلسة اليوم الخميس بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء مجرد إجراء روتيني في مسار محاكمة عبد النبي بعيوي، الرئيس السابق لجهة الشرق، بل تحولت إلى لحظة مشحونة بالانفعالات والمواقف الحاسمة، بعد أن أجهش المتهم بالبكاء فور سماعه لتصريحات تاجر المخدرات الدولي الحاج أحمد بن إبراهيم، الملقب بـ”إسكوبار الصحراء”، والتي تشير إلى تورطه المزعوم في شبكة دولية لتهريب المخدرات.
في مشهد نادر داخل ردهات المحاكم، حاول بعيوي الدفاع عن نفسه بكلمات مؤثرة قائلاً: “بكيت يوم فقدت والدي، واليوم أبكي بعد أن سألتني أمي: واش وكلتوني الحرام؟”، في إشارة إلى وقع هذه التهم على أسرته ونفسيته، مضيفًا: “ما تربيناش على المخدرات، وما كنقبلش يتقال عليّ هاد الشي.”
وتأتي هذه التصريحات في وقت حرج بالنسبة إلى بعيوي، أحد الوجوه البارزة في حزب الأصالة والمعاصرة، حيث تثير هذه القضية تساؤلات حول طبيعة العلاقة بين المال، السياسة، وشبكات الجريمة المنظمة، خصوصًا مع ورود اسم قيادي آخر في الحزب، هو سعيد الناصري، في إفادات “إسكوبار”.
بعيوي، الذي يواجه اتهامات تتعلق بتزوير وثائق واستغلال وسائل لوجستية في عمليات مشبوهة، أنكر صلته بالمخالفات المنسوبة إليه، وخصوصًا ملف تزوير عقد زواج لسيدة حامل، مؤكدًا أن الأخيرة هي من دبرت وثائق الزواج دون علمه بتفاصيلها الدقيقة، مشيرًا إلى أن الخادمة وشاهدة أخرى تدعمان روايته أمام الضابطة القضائية.
أما فيما يخص الاتهامات المتعلقة ببيع وشراء شاحنات استُعملت في أنشطة غير قانونية، فقد وصفها بـ”غير الدقيقة”، وبيّن أنه لم يكن مكلفًا حينها بإدارة الشركة المعنية، بل إن شقيقه هو من كان يدير شؤونها، نافياً أن يكون قد أعطى تعليمات بطمس معالم الشاحنات أو تغيير أرقام هياكلها.
لكن عناصر المحاضر الأمنية، وتصريحات الشقيق عبد الرحيم بعيوي، شكلت مادة ثقيلة واجهت بها المحكمة المتهم، وسط تضارب في الأقوال ومطالب قضائية بتوضيح طبيعة العلاقة بين المتهم والشبكة المفترضة.
ما يجري في قاعة المحكمة لا يمس فقط عبد النبي بعيوي كشخص، بل يعيد طرح إشكالية العلاقة بين السلطة المحلية، المصالح الاقتصادية، وشبكات التهريب التي تتحرك في الظل، مستفيدة في كثير من الأحيان من غطاء سياسي أو اقتصادي.
القضية في مراحلها الأولى، والمشهد القضائي مفتوح على احتمالات متعددة، لكن المؤكد أن تداعيات هذا الملف قد تتجاوز حدود القاعة، لتهز صورة وجوه سياسية لطالما قدمت نفسها كصوت للتنمية والجهوية المتقدمة.