محمد فارس
قال تعالي في كتابه العزيز: [وَلَتأْمرُنَّ بالمعْروف وتَنهَوْن عنِ المنْكر أو لَيُسلِّطَنَّ الله عَليكُم شِراركُمْ، فيَدْعو خِياركم فلا يُسْتجابُ لَهُمْ] صدق الله العظيم. والشّرارُ موجودون في كلّ عصر، وفي كلّ أُمّةٍ؛ فَلكُلِّ مجتمع شِرارُه، وكذَّابُوه، وخدَّاعُوه، ومنافقُوه، فالشّر موجودٌ وهو أحد ثنائية الوجود، وهي [الخَيْر والشّرّ]، فما هو الشَّر إذن؟ الشّرُّ، معناه السُّوء والفساد؛ يقال: رجُلُ شَرّ، أي ذو شَرّ، وهو شرُّ الناس، أي أسوَؤُهم وأكثرهم فسادًا. والشَّر ضدّ الخير، لأنّ الخير يُطْلق على الوجود، أو على حصول كلّ شيء على كماله، على حين إن الشّرّ يُطْلق على العَدم، أو على نقصان كلّ شيء عن كمالِه؛ ولِلشَّر ثلاثة مَعانٍ، ولكنّنا، سنقتصر هنا على ذِكْر [الشَّر الأخلاقي]، ويُطْلق على الأفعال الـمَذْمومة، وعلى مبادئها من الأخلاق، وعلى ما يَحِقّ للإرادة الصّالحة أن تقاومه.. فالشّرّ الأخلاقي إذن هو الرّذيلة والخطيئة؛ ومع ذلك، فإنّ الخير والشّر أمران إضافيان لا معنى لأحدِهما إلاّ بالنسْبة إلى الآخر.. أمّا مشكلة الشّر: [Problème du mal]، فهي السُّؤال عن سبب وجود الشّر في أمّة، أو في مجتمع، أو في العالم.. فهل في أُمّتنا شَرٌّ موجود، أو وُجِد، ومن هم أهْله؟
لا يَخلو تاريخُ أمّة من أشرار قديمًا وحديثًا؛ فإذا رأيت أمَّتنا تَخلَّفتْ رغْم ما حباها الله من خيرات، ومن ثروات، ومن مَكرُمات، فاعْلم أنّ سببَ تخلُّفِها وفَقْرها راجعٌ إلى كثرة أشرارها المبثوثين في كلّ مجالات الحياة وأضرابها؛ وقد يَسْألُ القارئُ الكريم قائلاً: وهَل كان هناك أشرارٌ في عصر النبوة؟ هل عانى رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم من شَرِّ ومكائد هؤلاء الأشرار؟ الجواب: نعم! لقد كانت حتى حياة النّبِي الكريم مُهدَّدة.. قد يضيفُ القارئُ الكريم سائلاً: هل ذكر التّاريخُ ذلك؟ الجواب: نعم! بل حتى القرآن الكريم ذَكره بوضوح في آياتٍ بيِّنات؛ كيف ذلك؟ أوّلاً يجب أن أُشير إلى أنّي أُصَلّي فقط على النّبيِّ الكريم وآله، وعلى إبراهيم وآله في العالمين.. وأمّا الصّحابة فإنّي أترضّى عن العدول منهم مثْل [سَلْمان الفارسي؛ وأبي ذَرٍّ الغِفاري؛ وعمّارْ بن ياسر]، والخلفاء الراشدين؛ ولكِنّي لا أذْكُر، ولا أقولُ أبدًا [وَصَحْبه أجمعين]، وصدقَ [سَلْمان الفارسي] حين قال: [صاحِبُه، مَن دَخَلَ معه الجنَّة]؛ فكيف تريد منّي أن أُصلّي على مَن ذمّه فِقْهُ [الجرح والتّعديل]؟!
في كتاب [الإصابة في تمييز الصّحابة]، لـ(ابن حَجر العَسْقَلاني) حديث رقم: (8137)، يروي أنّ [مُعَتّب بن قُشَيْر]، كان بَدْريًا، يعني مِمَّن شهِدوا (غزوة بدْر)، وكان من أنصار (الأوْس)، ذَكَروه في مَن شهد (العَقَبة) مِمَّن أرادوا قَتْلَ النّبي الكريم؛ وقيل إنّه كان مُنافقًا، وأنّه هو الذي قال يوم (أُحُد): [لَو كان لنا من الأمر شيء، ما قُتِلْنا هَا هُنا]، وهكذا نزلتِ الآيةُ في القرآن الكريم. فهل تريد منّي أن أصلّيَ على (مُعتّب بن قشَيْر) والحالة هذه؟ وهذا [الوليد بن عقبة] أخ (عثمان) من أمِّه، وُلّيَ (الكوفة)، وصَلّى بالنّاس وهو سَكْران، وكان قد نَزلتْ فيه الآية: [إنْ جاءكُم فاسِقٌ بِنَبَإ، فَتبيَّنُوا أَنْ تُصيبُوا قومًا بجهالة..]؛ فبشهادة القرآن، كان (الوليدُ بنُ عُقبة) فاسقًا، فهل تريد منّي أن أُصلّي عليه أو أترضّى عنه؟ هل سمعتَ بالمدعو [الرَّحال بن عَمْرو]؟ كان هذا الرّجُل من كُتّاب الوحي، لكنّه ارتدّ والتحق بالكذّاب [مُسَيْلمة]، وصار يَقول: [إنّي سمعتُ محمّدًا يقول بأنّ مُسَيْلمة يشاركه النُّبوة]؛ وهذا [عبد الله بن أُبَي بنُ سَلول]، كان كلّما جلس رسول الله صلّى الله عليه وسلم ليَرتاح أثناء خُطبتِه، كان (ابنُ سَلول) يَصْعد إلى المنبر، ويُشيد بالنّبي الكريم، يَعِظ ويُرشد، فَلُقِّبَ بـ[أمير المنافقين]، ولـمّا مات، دَعَا عليه النّبيُّ الكريم: [أَلهمَّ إلْعَنْهُ، واحْشُ قَبْره نارًا]؛ فهل تريد منّي أن أصلّي عليه أو أترضّى عنه؟ وهذه زوجة رسول الله [قَتِيلَة بِنْتُ قَيْس]، ارتدَّتْ، فطلَّقَها النّبيُّ الكريم، والتحقَتْ بـ(مُسَيلمة الكذّاب)، ولـمّا قُتِلَ، عادتْ، فتزوّجتْ بِـ[عِكْرمة بن جَهْل] واضعِ الأحاديث المكذوبة، قال فيه (الإمامُ مالِك): (كذّابٌ، لا يُعتَدُّ بأحاديثه) فهل تجوز الصّلاةُ أوِ التّرضي عن هؤلاء، وهم صَحاحبَةٌ ذَمَّهُم فِقْهُ [الجَرح والتّعديل]، وهو فِقْهٌ بَرعَ فيه علماءُ السُّنة، وكاتبُ هذه السّطور، سنِّيٌ، مالكِيُ الـمَذهب، أشْعرِى العقيدة، ولكنّ الحقَّ، أحقّ أن يُتَّبَع؛ لكنْ ما المراد بهذه الشّذرات التاريخية؟ التّاريخ لا يُذْكَر إلاّ لاستحضار الحاضر، فمثْل هؤلاء، موجودون في الأمّة، وهم عصابة تَفَرقتْ هنا وهناك، لتُفْسِدَ الأمّةَ سياسيا، واقتصاديا، وأخلاقيًا، وإعلاميًا، وكلّهم يَختفون وراء الوطنية وخدمة الوطن، وهم الأصلُ في تردّي الأوضاع، وفي تأييد التّخلّف، والانحطاط؛ فمَن هم هؤلاء يا تُرى؟ لقد خطَرت لي فكرة تأليف كتاب بعنوان: [الإصابة في تمييز أفراد العصابة]؛ كنت سأذكُر فيه كلّ الشّرور التي اقترفها الأشرارُ بهذه الأمّة في ميدان الإرهاب، والسياسة، والأموال، والأخلاق، معزّزة بالأسماء، وتواريخ شرورهم، وفضائحهم، ونفاقهِم؛ لكنّي عدلتُ عن ذلك لمعرفتي أنّ الكتابَ سيُصادر، والمبرّراتُ لا تَنقص، ناهيك عن عراقيل في الطّبع، بالإضافة إلى العجز المالي؛ فمعذرة!