اختارت الحكومة ألا يكون لها شريك في تدبير أزمة المحروقات، والمصيبة أنها حكم وخصم في الوقت ذاته، بحكم أنها تمثل “تجمع المصالح الكبرى”، وتعمدت الحكومة عدم إطلاع المواطنين على خلفيات الزيادات الصاروخية في ثمن المحروقات، ورفضت مخاطبة ممثلي الشعب أي البرلمانيين بعد أن طلبت تأجيل اجتماع للجنة المختصة إلى أجل غير مسمى، بمعنى إغلاق الباب أمام المجتمع كي لا يطلع على القرارات المقبلة.
هل في تأجيل اجتماع اللجنة المختصة لدراسة موضوع الزيادات المهولة في ثمن المحروقات، محاولة لهروب الحكومة واختفائها حتى تتمكن من إقرار زيادات أخرى دون إحراج من أحد؟ في الحد الأدنى تقتضي الأعراف ويقتضي القانون مخاطبة البرلمانيين في ظرف عصيب ومن خلالهم مخاطبة الشعب، بدل الانغماس في معالجة تأثيرات الأزمة على الشركات الكبرى بينما المجتمع لا أحد يدافع عن مصالحه.
منذ بداية الاستقلال والحديث عن “الرأسمال الوطني”، وقد تم منح امتيازات كثيرة للمستثمرين المغاربة، ومن بينهم مستثمرون في المحروقات، ومن بين شركات أعطيت امتيازات كبيرة لشركات مملوكة بالوراثة لبعض الزعماء الآن، ولم يكن الغرض هو المساهمة في الإثراء الفاحش للبعض، ولكن تكوين رأسمال وطني بديل عن الرأسمال الأجنبي.
لماذا تم ذلك؟
من يقف وراء هذه الفكرة بغض النظر عن مدى انسجامها مع الواقع كان يسعى إلى تكوين رأسمال قادر على التضحية وقت الأزمات. المواطن يؤدي واجباته كل وقت وحين ويساهم بالضرائب التي بواسطتها يتم ملء خزينة الدولة، فعلى الدولة إعادة التوازنات من خلال أداء الفارق عندما ترتفع الأسعار دوليا، لكن الأساسي هو ضرورة اختبار “وطنية” الرأسمال.
إذا لم يقف الرأسمال بشكل بطولي للتضحية في اللحظات الحرجة فهو رأسمال المافيات وليس رأسمالا وطنيا، لأن الرأسمال الوطني هو الذي يضحي من أجل الحفاظ على التماسك الاجتماعي.
لقد ربحت هذه الشركات الكثير، وتم منحها امتيازات لا تعد ولا تحصى، فإذا كانت الأوضاع اليوم لا تسمح لها بتحقيق أرباح كالمعتاد فلماذا لا تضحي. لا نطلب من هذه الشركات أن تخسر ولكن أن تؤكد على وطنيتها بأن لا تربح أو لا ترفع قيمة أرباحها أو تقلصها إلى الحد الأدنى، في انتظار العودة إلى الوضع الطبيعي، وحينها لن يحاسبها أحد على أرباحها، لكن اليوم إما أن تكون “وطنية” أو تكون “مافيا”.
ومن أجل التدقيق أكثر فليست المافيا خارجة عن معنى استغلال الأوضاع غير الطبيعية من أجل الربح، وهو ربح مستقطع من جيوب المواطنين بطريقة غير مشروعة وتحت عنوان الأزمة الدولية، ورأينا أن شركات “مغربية الاسم” راكمت أرقاما خيالية من الأرباح خلال فترة الجائحة وهم من يُطلق عليهم “تجار الحروب” وتجار الأزمات، الذين يستغلون الظروف الصعبة لمزيد من الاغتناء الفاحش، في وقت كان مفروضا عليهم التضحية ليس برأسمالهم ولكن فقط بجزء من أرباحهم.