محمد فارس
لم يُخمِد السّجنُ صوتَ الأميرال [دومْفيل] ولا الكابتن [رامزي]، فكتبَ الأولُ كتابه الشّهير: [من أميرال البحار النّاشئ]، كشفَ فيه عن سِرِّ الأحداث والجهات التي قادتْ إلى الحرب العالمية الثانية، وحذّرَ منها الشعب الإنجليزي؛ كما ألّفَ [رامزي] كتابه: [حَرب دون اسم]، وتمكّنَ هذان الكِتابان بالرّغم من اختفائهما من الأسواق من فضح أسرار المؤامرة للرّأي العام الإنجليزي والأوروبّي التي لعبَ فيها [تشرشل] دوْرًا أساسيًا لا يُنكَر.. توفي رئيسُ الوزراء الأسبق [تشابرلين] والألمُ يمزّق فؤادَه وهو يرى بلادَه تُساق إلى مجزرة شاملة للدّفاع عن مصالح ومآرب حَفْنة من الماسون والصّهاينة، وتابعتْه حمْلة التّشهير التي شنّها هؤلاء إلى يوم وفاتِه، بل هي تتابعه حتى الآن في كتبِ التّاريخ، فيما يلاحق المديحُ الصّهيوني [تشرشل] إلى يومنا هذا..
كان لِلصُّهيوني [تشرشل] الفضلُ في قيام دولة [إسرائيل]، وقد ناضلَ من أجل ذلك منذ الحرب العالمية الأولى إلى أن قامت مباشرةً بعد الحرب العالمية الثّانية.. كان [تشرشل] وراءَ ما سُمِّيَ [وَعْد بلفورْ]، و[بلفور] هذا، لم يكُن صهيونيًا ولم يكتُب هذا الوعد، بل كان وراءه [روتشيلد] و[تشرشل]، وأُجبِرَ [بلفور] على توقيعه، ولم يقرأ حتى نصَّه، ولم يَكُن موافقًا على أن يُنسَب إليه أصلا، وذاك هو أسلوب الصّهاينة.. خلال شهر [مارس] سنة (1921)، زار [تشرشل] [فلسطين]، وطَلب مقابلة وفْد القادة المسلمين؛ ولـمّا قابلهم، عَرضوا عليه خَشْيتهم من الهدف الذي تعمل له الصّهيونية السّياسية، وهو الاستيلاء على [فلسطين]، واستغلال أراضيها لمصلحة الصّهاينة، وبيَّنوا له أنّ العربَ يعيشون في تلك الأرض منذ أكثر من ألْف سنة، وطلبوا منه استخدام نفوذه لرفْع هذا الظّلم، فأجابهم [تشرشل] الصّهيوني قائلا: [أنتم تطلبون منّي أن أتخلّى عن (وعْد بلفور)، وأن أُوقفَ الهجرة اليهودية، وهذا ليس في طاقتي، كما أنّني لا أرغب فيه؛ نحن نعتقد أنّه لِخَير العالم واليهود والإمبراطورية البريطانية والعرب أنفسهم أيضًا، ونحن ننوي أن نحقّقَ هذا الوعد].. كان [تشرشل] وهو ينطق بهذا الجواب، كان يفكِّر بذلك التّهديد الذي أطلقه [حايِيم وايْزمان] الذي أصبح أول رئيس للكيان الصُّهيوني، والذي نُشر رسميًا في (1920)، يقول فيه: [سَوف نستقرّ هنا في (فلسطين) شِئْتُم أمْ أبيتُم؛ إنّ كلّ ما تستطيعون عملَه، هو تعجيل أو إبطاء هجْرتنا، ولكنّه مهْما يكُن، فإنّه من الأفضل لكم أن تساعدونا، لتتَجنّبوا تحويلَ قُدراتِنا إلى قُدرات مدمِّرة].. وهذا هو الأسلوب الذي يتّبعه [نتانياهو]، وهو يدمِّر (غزّة) و(الضفّة)، ويَنهجُ أسلوب [تشرشل] في الحرب كما قال يوم الأربعاء (19) مايو، وهو يقتل الأطفال، ويدمِّر البيوت، ويخرّب البنية التّحتية بأسلحة مدمّرة، ولكن ما هو أسلوب [تشرشل] في الحرب؟ يتساءل القارئ الكريم..
في سنة (1945) كانت الحرب تقترب من نهايتها، وغاب الطّيرانُ الألماني عن الأجواء، فاجتمع [تشرشل] بقائد القاذفات، وكان يُدْعى [آرثر هاريس]، فاتَّفقَا معًا على قتْل المدنيين العُزَّل، وسُمِّيتِ العمليةُ بالقصف السّجادي الشّامل، لأنّ قَتل المدنيين يحقّق الأهدافَ التي تعجز عنها العمليات البرّية، وهو ما يعتمده [نتانياهو] وهو يَقتل المدنييـنَ في [غزّة].. عندها قامت (1300) مُقَنْبلة من طراز [لانكاسْتير] وهي محمَّلة بقنابل شديدة الانفجار بالإغارة على مدينة (دريسْدَن) الألمانية، فسوَّتْها بالأرض، وكان ذلك أفظع ممّا حدثَ لمدينتَي [هيروشيما] و[ناغازاكي] اليابانيتين عندما هُوجِمَتَا بِقُنْبُلتين نَوَوِيَتين يومي (6) و(9) من شهر غشت (1945)، وما حصل لمدينة [غزّة] يشبه تمامًا ما حصل لمدينة [دريسْدن] ومن ثمّة بَرز كلٌّ من [تشرشل] و[نتانياهو] كمجرِمَيْ حرب يحتاجان إلى محكمة [نورمبيرغ] لمحاكمتهما وشَنْقِهما معًا، وإحراق جثّتيْهما، ورَمْي رمادهما في نهر (الأردن) تمامًا كما رُمِيَ رمادُ النّازيين في نهر [إيزار] بعد إعدامهم وإحراق جُثَثِهم..
وبعد الحرب، رفض الملكُ أن يوشّحَ صدورَ طواقم القاذفات، واستُبْعِدوا من حَفْل التّكريم.. عُقِدَ مؤتمر [بوتسدام]، وخلال المؤتمر، هَمس مستشارُ [تشرشل] في أذنه، وأخبره بأنّه خسر الانتخابات، وأنّ الذي فاز هو [كليمنت أُوتْلي]؛ وهكذا، خرج [تشرشل] ومعه [بريطانيا] خائبيْن، ومدمَّريْن، ولم تَعُدْ [بريطانيا] تلك الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشّمس، وفقدتْ كافّة مستعمراتها ومن أبرزِها [الهند] التي كانت تسمّى دُرّة التّاج البريطاني؛ وبذلك انتهتْ حياةُ [تشرشل] السّياسية؛ وكذلك ستنتهي حياةُ [نتانياهو] لا محالة رغم أنّه اعتمد عدوانًا على [غزّة] لإنقاذ مستقبله السياسي، لكنِ انقلب السِّحرُ على السّاحر، ثمّ لِلظّالم حدّ..