ليس في السياسة صدف، ولكن كل شيء له هدف حتى لو كان صغيرا. لم يجتمع حزبا العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة مجاملة و”شرب كأس شاي” وأكل الحلوى، كما قال عبد اللطيف وهبي في لقاء سابق مع سعد الدين العثماني، ولكن هذه المرة كان الاجتماع خارج لقاءات المجاملة ولكنه لقاء من أجل التصدي لحزب التجمع الوطني للأحرار. لم يشر البيان المشترك إلى ذلك، ولكن مضامينه كلها عن حزب أخنوش، الذي استغل المال الوفير أو مال “قارون” استعدادا للانتخابات.
وكما قيل ليس في السياسة أصدقاء دائمون ولا أعداء دائمون وإنما مصالح، فإن كل الخصومة التي كانت بين الحزبين أصبحت من الماضي، فمن كان يتوقع قبل خمس سنوات على الأقل من الآن أن تلتقي قيادة العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة ويصدر بيان مشترك عنهما يدافع عن مصالح مشتركة؟
نتذكر جيدا أن زعيم البام كان يقول إنه جاء لمحاربة الإسلاميين، ونتذكر زعيم البيجيدي الذي كان يقول إن السماء والأرض قد تلتقيان لكنِ الحزبان لن يلتقيا. ها هي السماء والأرض بقيت في مكانها بينما التقى الحزبان الغريمان، اللذان كان وجود أحدهما يعني نهاية الآخر.
غير أنه منذ فترة بدأت الأمور تسير في اتجاه طي صفحة الماضي كما تقتضي السياسة، وأن ما بعد العداوة سوى المحبة، ولما تم انتخاب عبد اللطيف وهبي أمينا عاما للأصالة والمعاصرة قال إنه جاء لتصحيح أخطاء الماضي والبيجيدي لم يعد خطا أحمر ولا أخضر ولا عدوا، ومن ثم بدأت بوادر الانفراج، لكن نحن كمتتبعين لا يمكن أن نعتبر ذلك محض صدف في عالم السياسة.
اليوم انتهى كل شيء وتعانق الطرفان وبارك الزعيم المعزول هذه الخطوة، وكل من يراقب يعرف أن الأمر أكبر من صدفة ولكنه إعداد واضح لما قبل وبعد الانتخابات، وليس عيبا أن يقع ذلك، العيب أن يحجر السياسيون على بعضهم البعض، عندما يتعلق الاتفاق بالعدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة يعتبر خطوة في اتجاه مواجهة “التغول” السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار، وعندما تقدم أحزاب أخرى على التحالف على هذه النقطة أو تلك يعتبر خطرا على الديمقراطية كما يروج الحزب الإسلامي.
حقيقة إن حزب التجمع مع وصول أخنوش للرئاسة أو قدومه رئيسا للحزب تغير وأضحى يستعمل منطق الشركات أو المقاولات في تدبير الشأن الحزبي، وازداد هذا الأمر مع بروز مؤسسة جود للعمل الخيري، التي لا يخفي قادة التجمع أنها لهم، والتي صرفت ملايين الدراهم مما لا قبل للأحزاب الأخرى به، بل إن حجم ما صرفته في رمضان هو نفسه المبلغ المخصص للأحزاب السياسية مجتمعة خلال الحملة الانتخابية، كما لا يخفى على أحد أن التجمع أصبح يستقطب الأعيان ويجرهم جرا وبأي ثمن مما أدخل الخوف والرعب في الأحزاب الأخرى وخصوصا الحزبين المحتلين حاليا للمرتبتين الأولى والثانية.