أظهرت نتائج تقرير “أفروبارومتر” الأخير حول المغرب، ملامح أزمة ثقة واضحة بين المواطن المغربي والمشهد الحزبي الوطني. إذ كشف التقرير أن 81.5% من المغاربة المستجوبين لا يشعرون بالانتماء إلى أي حزب سياسي، في حين لم تتجاوز نسبة الذين عبّروا عن شعورهم بالانتماء الحزبي 9% فقط، وهو ما يدق ناقوس الخطر حول العلاقة المتدهورة بين المجتمع والسياسة.
هذه الأرقام اللافتة تعكس ليس فقط أزمة الأحزاب المغربية في بناء قواعد جماهيرية مؤمنة بمشاريعها وخطابها السياسي، بل تكشف أيضًا عن عمق الهوة بين المواطن والمؤسسات الحزبية، التي من المفترض أن تمثل همومه وتطلعاته في المحافل التشريعية والحكومية.
أسباب هذا الضعف متعددة، فمن جهة هناك تراكم سنوات من الخيبات المرتبطة بالأداء الحكومي ومحدودية أثر السياسات العمومية على حياة الناس اليومية، خصوصًا فيما يتعلق بمحاربة الفساد، وتحسين مستويات العيش، وتوفير فرص العمل. ومن جهة أخرى، فإن جزءًا كبيرًا من المغاربة بات يرى الأحزاب، سواء في الحكومة أو المعارضة، وكأنها مؤسسات منفصلة عن واقعه، لا تستجيب لطموحاته ولا تحاكي أولوياته الملحة.
وفيما يخص الثقة في الأحزاب سواء الحاكمة أو المعارضة، لم تتجاوز نسبتها 15%، وهو ما فسره التقرير بانتشار الفساد الذي يعتقد 45% من المغاربة أن معظم البرلمانيين متورطون فيه.
أما بشأن أبرز التحديات التي تواجه البلاد، فقد تصدر تدني الأجور وغياب فرص العمل قائمة القضايا الملحة بنسبة 22.8%، تلتها أزمة ارتفاع تكلفة المعيشة بنسبة 18.5%، ثم مشاكل النقل والجفاف بنسبة 15.7% لكل منهما، إضافة إلى أزمات السكن والتعليم بنسبة 13.6%، وضعف الخدمات الصحية بنسبة 10.4%.
وبخصوص نوايا الهجرة، عبر 22.1% من المستجوبين عن رغبتهم في مغادرة البلاد بحثًا عن فرص عمل أفضل، بينما أبدى 5.3% تطلعهم إلى آفاق تجارية أوسع في الخارج.
وفي سياق المشاركة السياسية، عبّر 76% من المواطنين عن رغبتهم في أن تؤخذ آراؤهم بعين الاعتبار قبل صياغة السياسات العمومية، مؤكدين رفضهم لصياغة القرارات بشكل أحادي دون التشاور معهم.
أما بشأن نوايا التصويت في الانتخابات التشريعية المقبلة، فقد صرّح 34.1% بعدم رغبتهم في المشاركة، فيما بلغت نية التصويت لحزب الاستقلال 4%، و3.8% لكل من حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، بينما حصل حزب التجمع الوطني للأحرار على 3.2% فقط من نوايا التصويت.
وتأتي هذه النتائج في وقت حساس تشهده المملكة، مع تزايد الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، ما قد يهدد بثقة المواطنين في الحكومة والمؤسسات. التقرير يرسم ملامح واضحة لمشهد سياسي واجتماعي يحتاج إلى مراجعة جذرية وسياسات عمومية أكثر استجابة لتطلعات المواطنين.