كشف تقرير أممي، أن التغييرات المناخية الملاحظة في المغرب تشمل استمرار تقلص مساحات الواحات مع انخفاض خدمات النظام البيئي، كما تراجع حجم الموارد المائية بشكل لافت، ناهيك عن أن غابات التنوب الصنوبرية تفقد مرونتها وقدرتها على الصمود في موجهة حالات الجفاف اللاحقة.
وصدر التقرير عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) التابعة للأمم المتحدة، حيث أوضح أن العوامل المناخية التي أدت إلى الآثار المذكورة يمكن إجمالها في ارتفاع درجة الحرارة وانخفاض هطول الأمطار مما يؤدي إلى تملح التربة والمياه وتجفيف المياه السطحية، هذا فضلا عن الرياح الساخنة والعواصف الرملية خلال مواسم الجفاف المتوالية.
وأفاد التقرير أن العوامل غير المناخية تتضمن النمو الزراعي والنمو السكاني المرتفع والتنمية غير المنظمة والعشوائية للأراضي، وأيضا ارتفاع الطلب على تغيير استخدام الأراضي من الزراعة إلى السكن. كما يلاحظ التقرير أن التغييرات المناخية انتقلت من المستوى المنخفض إلى المتوسط.
في جنوب غرب المغرب، كان معدل موت الأشجار أكثر ارتباطا بزيادة الجفاف، والذي تم قياسه بواسطة مؤشر “بالمر” لشدة الجفاف (PDSI)، والذي أظهر زيادة ذات دلالة إحصائية منذ عام 1900 بسبب تغير المناخ. وفي سيناريو مزعج، توقع الخبراء أن تغيير المناخ سيؤدي إلى ضعف الموطن المناسب لأشجار أركان بنسبة 32 في المائة.
ومن المتوقع أن يعاني وادي درعة الأوسط في المغرب من موجات جفاف أكثر حدة، حيث أن تقدير ميزان المياه يشير إلى نقص الإمدادات في المستقبل.
وكانت نذرة المياه من بين الآثار الأولى لتغير المناخ المعترف بها في دول شمال إفريقيا مثل المغرب التي لديها مناطق جافة واسعة، مع دول مثل تركيا وليبيا والولايات المتحدة والصين التي تنفذ مشاريع نقل المياه على نطاق واسع. ويهدد الإنتاج الزراع الانخفاض في توافر المياه الذي كانت كبيرا من حيث كل من إمدادات المياه السطحية والمياه الجوفية، إذ سيؤدي ذلك إلى زيادة تكاليف انتاج الغذاء.
وفقا لمنظمة الأغذية والزراعة “الفاو” فالمغرب قريب من عتبة الإجهاد المائي، فيما تقع تونس والجزائر وليبيا تحت عتبة نذرة المياه. إن عدم اليقين فيما يتعلق بالتوقيت والمدة والشدة والفاصل الزمني بين الأحداث المناخية المتطرفة يعرض بعض القطاعات، مثل الزراعة والسياحة، لخطر غير مسبوق في منطقة البحر الأبيض المتوسط. كما يعد المغرب من بين أكثر البلدان تعرضا لارتفاع مستوى سطح البحر في المستقبل.
وأوضح التقرير أنه من بين خيارات التكيف التي تم تقييمها في المغرب، تبدو التغييرات في أنماط المحاصيل وأنظمة المحاصيل الأقل فاعلية في الحد من مخاطر المناخ، مع انخفاض الفعالية عند مستويات الحرارة العالية.
و حذر تقرير حديث صادر عن البنك الدولي من أن المغرب يمر بمنعطف حرج في مسيرته من أجل التنمية، حيث أفصحت الإصلاحات الهيكلية التي بدأت قبل عقدين أن الطريق أمام فترة مستدامة من النمو الاقتصادي والحد من الفقر لم يسبق لها مثيل في التاريخ الحديث للمغرب، غير أن هذا النموذج بدأ يظهر علامات متزايدة على الانهاك حتى قبل تفشي جائحة كورونا، مما حفز على التفكير في كيفية تنشيط مسار المغرب نحو النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية بوتيرة أسرع.
وكشف التقرير الذي حمل عنوان “المناخ والتنمية”، الصادر في أكتوبر 2022، أن المغرب يواجه تحديات متشابكة ومتفاقمة من أجل تنفيذ نموذجه التنموي الجديد، تتجلى أولا في زيادة قابلية التأثر بتغير المناخ، كما يتضح من سلسلة موجات الجفاف الشديدة التي شهدتها الآونة الأخيرة، وثانيا الحاجة الملحة إلى تسريع وتيرة الإصلاحات الهيكلية لوضع التنمية في المغرب على مسار أكثر صلابة وانصافا واستدامة، ويتجلى التحدي الثالث في تحقيق كل ذلك في أطار حيز مقيد من المالية العامة.
وبناء على مجموعة كبيرة وثرية من العمل التحليلي، توصل معدو التقرير إلى ثلاث أولويات يجب أن يضعها المغرب على رأس جدول أعماله، وهي التصدي لشح المياه والجفاف، لاسيما من منظور قطاعي المياه والزراعة والعلاقة بينهما، ثم تعزيز القدرة على مواجهة الفياضانات من أجل الحفاظ على النشاط الاقتصادي وسبل كسب العيش في المناطق الحضرية والساحلية، وأخيرا الحد من الانبعاثات الكربونية في النشاط الاقتصادي والتطلع إلى الانبعاثات الصفرية في خمسينيات هذا القرن.
وأفاد التقرير أن العمل المناخي يمكن أن يكون له أثر إيجابي على الناتج المحلي، ويمكن أن يسهم في تسريع وتيرة التقدم نحو تحقيق الأهداف الإنمائية للمغرب، وهذا المسار سيتوقف على قيام القطاع الخاص بدوره المركزي، مع توقع أن يحمل على عاتقه نسبة كبيرة من الاستثمارات في إطار أجندة التخفيف من مخاطر المناح.
ولاحظ التقرير أن شح المياه يمكن أن يؤثر على كل جانب تقريبا من جوانب التنمية الاجتماعية والاقتصادية المستقبلية في المغرب، الذي يعتبر أحد أكثر البلدان شحا في المياه في العالم، فهو يقترب بسرعة من الحد المطلق لنذرة المياه البالغ 500 متر مكعب للفرد سنويا، ويشكل تزايد حالات الجفاف وشدتها بالفعل مصدرا رئيسيا لتقلبات الاقتصاد الكلي وتهديدا للأمن الغذائي في المغرب.
وتوقع البنك التقرير أن يؤدي انخفاض توافر المياه وانخفاض غلة المحاصيل بسبب تغير المناخ إلى خفض إجمالي الناتج المحلي بنسبة تصل إلى 6.5 في المائة. وتتأثر الزراعة البعلية بشكل خاص بالجفاف وشح المياه، ونظرا لأن الزراعة البعلية لا تزال تمثل 80 في المائة من المساحة المزروعة في البلاد ويشتغل بها معظم القوى القوى العاملة الفلاحية، فإن التغيرات الناجمة عن تغير المناخ (توفر المياه وغلة المحاصيل) على الزراعة البعلية قد تؤدي إلى هجرة ما يصل إلى 1.9 مليون مغربي إلى المناطق الحضرية (5.4 في المائة من إجمالي السكان) بحلول عام 2050.