أكد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن المغرب يعيش على وقع عجز مائي حاد، بعد موجة الجفاف غير المسبوقة منذ ستينيات القرن الماضي، وما شهده البلد، خاصة سنة 2022، من ظواهر مناخية قصوى لم يعرفها منذ أزيد من 40 سنة، فضلا عن زيادة الطلب في السقي والاستعمال المنزلي والشرب.
وقال المجلس في تقريره لسنة 2022 إن هذا الواقع خلف عجزا مائيا كبيرا خلال السنوات الأخيرة، أثر على جميع أوجه استعمال الموارد المائية (الفلاحي، الصناعي، السياحي، الاستعمال المنزلي…)، مع ما يترتب عن ذلك من انعكاسات كبرى على الاقتصاد وعلى الأنظمة البيئية، وعلى الأمان الإنساني لا سيما المائي والغذائي والصحي، وكذا على مصادر دخل أعداد متزايدة من السكان.
وفي ظل هذا الوضع، أكد المجلس على ضرورة التغيير الجذري للعادات الاستهلاكية وإعادة النظر في الخيارات السياسية، والتدخل العاجل للتدبير الأمثل للإجهاد المائي الذي يتفاقم بسبب الجفاف وأيضا بسبب عوامل أخرى؛ مثل زيادة الطلب، وفقدان الموارد المائية، والتلوث، ما يتطلب اتخاذ إجراءات ذات صبغة استراتيجية، وإصلاح القطاعات المعنية، لا سيما القطاع الفلاحي.
وفي هذا الباب، أوصى التقرير بإعادة النظر في النموذج الفلاحي المعتمد في الجانب المتعلق باستعمال الموارد المائية وتدبيرها، وذلك أساسا من خلال إعادة النظر في الأنشطة والتخصصات الفلاحية بشكل يسمح بجعل كل جهة تتخصص في ممارسات فلاحية وزراعات مستدامة من حيث استعمال الموارد المائية، إلى جانب دعم إحداث سلاسل فلاحية قادرة على مقاومة التغيرات المناخية، ولا تتطلب موارد مائية ضخمة وتتيح إنتاجية أفضل للماء.
وتوقف التقرير على الانخفاض غير المسبوق في مستويات المياه الجوفية بسبب السقي والتزويد بالماء الصالح للشرب، وهو ما يتجاوز قدرة هذه الطبقات على التجدد الطبيعي، مما أدى إلى استنزاف المخزون الاستراتيجي من المياه غير المتجددة.
وأشار ذات التقرير إلى أن التوقعات المستقبلية، تشير إلى تفاقم العجز المتنامي في الموارد المائية، ففي أفق سنة 2030 قد يصل العجز إلى 2.3 مليار متر مكعب.
ومن أجل تدبير ناجع للجفاف، أوصى المجلس بوضع مخطط وطني للجفاف، مرتكز على نظام للإنذار المبكر، ووصع آلية مؤسساتية للتحكيم والتنسيق في فترات الجفاف، وتعميم التأمين الفلاحي لصغار الفلاحين، والحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين خلال فترات الجفاف، من خلال تعبئة جميع الآليات المتاحة؛ كالقيود المفروضة على تصدير المنتجات الغذائية الأساسية، وتخفيض أو تعليق الرسوم الجمركية على استيراد المنتجات الغذائية الأساسية أو المدخلات…
ولتحسين تدبير العجز المائي، دعا التقرير إلى تحسين حكامة قطاع الماء بالمغرب، وتسريع برنامج تعبئة الموارد المائية غير الاعتيادية، والاستعانة بالحلول المبتكرة والنهوض بأنشطة البحث والتطوير في مجال الماء، فضلا عن إعادة النظر في النموذج الفلاحي المعتمد.
وكان وزير التجهيز والماء نزار بركة ، دق ناقوس الخطر بخصوص الوضعية المائية في المغرب وفي إفريقيا، مؤكدا أن المخزون المائي تضرر بفعل عوامل التغيرات المناخية والتصحر والظواهر البيئية الكبرى، وكشف أسس خطة الدولة لمواجهة الأزمة.
وقال الوزير إن “المغرب يواجه العديد من التحديات المترابطة والملحة والتي تتعلق بندرة المياه التي تفاقمت بسبب تغير المناخ والتصحر وفقدان التنوع البيولوجي وتدهور التربة والظواهر المناخية القصوى”، مضيفا أن أهم هذه التحديات تتجلى في “محدودية الموارد المائية والتباين الكبير في توزيعها في المكان والزمان”.
وأبرز أن التحدي المذكور حتم على المغرب “نهج سياسة مائية استباقية واستشرافية متجددة باستمرار بعيدة المدى وقائمة على التخطيط وتعتمد أساس على تعبئة الموارد المائية عبر بناء منشآت كبرى مثل السدود لتخزين المياه أثناء الوفرة لاستعمالها خلال فترات الخصاص ونقلها من مناطق الوفرة إلى مناطق الاستغلال”.
وعدد بركة البنيات المائية الأساسية التي يتوفر عليها المغرب، مبرزا أنها تتشكل من “152 سد كبير بسعة إجمالية تقدر 19 مليار و900 مليون متر مكعب و18 سد كبير في طور الإنجاز مما سيمكن من الوصول إلى 24 مليار متر مكعب في أفق سنة 2027 و137 سدا صغيرا في طور الاستغلال و17 منشأة لتحويل ونقل المياه وآلاف الآبار والثقوب المائية و12 محطة لتحلية مياه البحر و158 محطة لمعالجة المياه العادمة”.
وشدد على أن “الأمن المائي للمملكة يحظى بمكانة استراتيجية عند الدول ويتجلى ذلك من خلال الأهمية القصوى التي يعطيها الملك محمد السادس لإرساء سياسة مائية متكاملة لتجاوز إشكالية ندرة المياه التي تشهدها المملكة” وتابع “ترتكز التوجيهات الملكية على استكمال بناء السدود المبرمجة وشبكة الربط المائي البيني بين الأحواض المائية، ثم تحلية مياه البحر وتعزيز التوجه الهادف للاقتصاد في استعمال المياه لاسيما في مجال الري وأخذ إشكالية الماء في كل أبعادها بالجدية اللازمة والقطع مع كل أشكال التبذير والاستغلال العشوائي وغير المسؤول لهذه المادة الحيوي، إضافة إلى إعادة استخدام المياه العادمة وترشيد استعمال المياه الجوفية والحفاظ على الفرشات المائية والعمل على ضمان جودة المياه”.
واعتبر بركة أن “الالتزام الدائم لتحقيق الأمن المائي الذي يشكل أساس تحقيق السيادة الغذائية والحفاظ على البيئة والصحة بقارة إفريقيا، مضيفا أن المغرب مستعد لتقاسم “تجربته في تدبير الموارد المائية للتأقلم مع التغيرات المناخية التي أثرت بشكل ملحوظ على المخزون المائي”.
وأردف “إن التغيرات المناخية عمت العالم وإفريقيا على الخصوص حيث أثرت على أنظمة الموارد المائية وأصبحت بذلك تعاني من ظواهر قصوى تتجلى في فياضانات مباغثة وفي جفاف يستمر لعدة سنوات وهذه الظواهر تؤثر سلبا على مخزون الموارد المائية خاصة الاعتيادية منها”.