كشف تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ، أن المنحى التصاعدي لأسعار المواد الغذائية والتضخم المستمر متعدد الأسباب، يمارس ضغطًا على القدرة الشرائية، خاصة بالنسبة للأسر ذات الدخل المحدود والطبقة الوسطى ويؤدي إلى اتساع الفوارق الاجتماعية.
ورصد التقرير السنوي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، صعوبة الظرفية الاقتصادية، والتي قال إنها لم تكن مواتية خلال العام 2022، وكانت لها انعكاسات سلبية على العديد من القيم الإجمالية والمؤشرات الاقتصادية، حيث سجل تفاقم في العجز التجاري، مع ارتفاع معدل التضخم من 1،4 في المائة إلى 6،6 في المائة، مرده بالأساس للارتفاع العام في أسعار المواد الغذائية الذي يلقى بثقله على القدرة الشرائية للأسر الأكثر هشاشة، بالإضافة إلى فقدان عدد صاف من مناصب الشغل بلغ 24ألف منصب.
وتوقف التقرير عند عدد من العوامل البنيوية والتي أكد أن استمرارها يؤثر سلبا على الأداء الاقتصادي الوطني، وتتجلى حسب التقرير، فو التبواطءء شبه المستمر لإنتجاية العمل منذ أزمة العام 2008، والضعف الواضع في نجاعة الاستثمار؛ المنحنى التنازلي لمحتوى الشغل في النمو لا سيما إحداث فرص الشغل بالنسبة للنساء والشباب؛ والتقلب المستمر لنمو القيمة المضافة الفلاحية.
و أوصى المجلس بتعزيز عمليات مراقبة الممارسات المنافية لقواعد المنافسة مع تطبيق عقوبات رادعة بما يكفي، والإسراع بإصلاح أسواق الجملة، فضلاً عن دعم المدخلات الفلاحية.
وفيما يخص بنجاعة الاستثمار، رصد المجلس، أن المجهود الاستثماري الذي يبذله المغرب مكّن من تحقيق معدل الاستثمار من بين أعلى معدلات الاستثمار على الصعيد العالمي (أكثر من 30 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي)، مؤكدا أنه رغم ذلك مردودية الاستثمار تظل منخفضة من حيث أثرها على النمو الاقتصادي وخلق فرص الشغل في المغرب.
وفي أفق تفعيل تدابير الميثاق الجديد للاستثمار بعد دخولها حيز التنفيذ، أوصى المجلس، في مرحلة أولى، بالعمل على إرساء تتبع صارم للإجراء ات المنصوص عليها، على جميع المستويات حتى أدنى مستوى ترابي، والحرص على خلق التجانس والتضافر بين أهداف وآليات ميثاق الاستثمار وصندوق محمد السادس للاستثمار.
فيما يتعلق بالوضعية الاجتماعية للنساء، شدد التقرير السنوي للمجلس، على أن العام 2022 لم يعرف حدوث أي تغيير ملحوظ، لا سيما في ما يتعلق بالمشاركة الاقتصادية للمرأة، مما يبقي المغرب في المراتب الأخيرة في التصنيف العالمي المتعلق بالفجوة بين الجنسين، علاوة على استمرار تثمين الكفاء ات النسائية بالقدر الكافي في سوق الشغل، لا تزال هناك أشكال متعددة من المتمييز التي يبغي التصدي لها من خلال مراجعة مدونة الأسرة.
وأوصى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في هذا الصدد، بإطلاق مسلسل تفكير ونقاش حول سبل تثمين عمل النساء ربات البيوت، وذلك من أجل تعزيز استقلاليتهن الاقتصادية، من خلال تدابير من قبيل توفير دخل أدنى، أو مصادر تمويل ملائمة لوضعيتهن، والحرص على أن تضمن مراجعة مدونة الأسرة صون حقوق النساء الاقتصادية وحمايتهن من كل أشكال التمييز وتقليص الفوارق في الأجور بين الرجال والنساء في القطاع الخاص.
كما أوصى المجلس، بالحرص على أن تضمن مراجعة مدونة الأسرة صون حقوق النساء الاقتصادية وحمايتهن من كل أشكال التمييز؛وتخفيف المسؤوليات الأسرية الملقاة على عاتق النساء (الأعمال المنزلية)لا سيما من خلال توفير خدمات حضانة ذات جودة لفائدة الأطفال في سن مبكرة في الإدارات والمقاولات.
وتضمن التقرير السنوي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، موضوعا خاصا بتدبير العجز المائي، بالنظر إلى موجات الجفاف الحاد التي شهدها المغرب خلال السنوات الأربع الأخيرة والتي بلغت ذروتها خلال سنة 2022، والذي أثر على جميع أوجه استعمال الموارد المائية (الفلاحي، الصناعي، السياحي، الاستعمال المنزلي…).
وأوصى المجلس بهذا الخصوص، بوضع مخطط وطني للجفاف، مرتكز على نظام لإنذار المبكر، يحدد، بناء على معطيات آنية حول ظروف الأرصاد الجوية الفلاحية والظروف الهيدرولوجية، التدابير ِ الواجب اتخاذها بالنسبة لكل مستوى إنذار وكذا الهيئات المسؤولة عن التنفيذ، مضيفا أنه ينبغي العمل على تنزيل هذه التدابير على المستوى الترابي، من خلال توفير مجموعة من الإجراء ات الملائمة المتعلقة بتوفير المياه والنجاعة المائية؛ إلى جانب وضع آلية مؤسساتية للتحكيم والتنسيق في فترات الجفاف، تكون قائمة على التشاور الموسع وإشراك مختلف الفاعلين على المستويين المركزي والترابي، وتكون غايتها القيام بتحكيم دامج ومنصف بين مختلف أوجه استعمال الموارد المائية، مع ضمان الحفاظ على الرصيد الفلاحي والأمن الغذائي والمائي ومناصب الشغل.
كما تطرق التقرير، إلى إشكالية الخصاص المسجل في مهنيي الصحة في المغرب، مشيرا إلى أن هذا النقص، الذي يتفاقم بسبب هجرة الأطباء، قد يشكل تهديدا على جودة الرعاية الصحية والولوج إلى الخدمات الصحية للمواطنين.
وأوصى المجلس في هذه النقطة، بوضع مجموعة من التدابير الاستباقية والمبتكرة مثل تعزيز إمكانيات التناوب والحركية المهنية في صفوف مهنيي الصحة بالمجالات الترابية التي تعاني الخصاص في الموارد البشرية الصحية، وإرساء نظام أجور محفز لمهنيي الصحة، وتعزيزه بتعويضات مرتبطة بالأداء، وتعزيز قدرات ومهارات المهنيين الممارسين.
و أكد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في نقطة يقظة حول التضخم والقدرة الشرائية للمغاربة، أن ارتفاع الأسعار يعزى لعوامل مرتبطة بالعرض وكلفة الإنتاج بالنسبة لبعض القطاعات، لكنه يتأثر أيضا بالممارسات المنافية لقواعد المنافسة، وكذا الاختلالات الناجمة عن ضعف فعالية وتنظيم مسارات التوزيع، دون إغفال احتمال وجود ممارسات لبعض المنتجين تتعلق بهامش الربح، فيما يعرف بظاهرة الجشع التضخمي.
وأكد المجلس في نقطة اليقظة التي تضمنها تقريره السنوي، أن الأرقام تبرز ارتفاع هامش الربح لدى المنتجين، ما يفاقم التضخم، داعيا السلطات العمومية إلى ضرورة مضاعفة وتدقيق جهود مراقبة الأسعار وهوامش الربح المفرطة، مع التنبيه إلى أن هذا الجشع لا ينبغي تعميمه على جميع المنتجين، لا سيما بالنسبة للوحدات الإنتاجية الصغيرة التي لا تملك أي تأثير على السوق، بل وتخضع أكثر من غيرها لتقلبات الأسعار.
وأبرز المجلس أن تعدد وتعقد العوامل التي تفسر ارتفاع الأسعار خلال الأشهر الماضية، زاد من حدة الشكوك بشأن مدى نجاعة التدابير التي اتخذتها السلطات العمومية وقدرتها على كبح التضخم.
ولاحظ ذات المصدر، أن ارتفاع الأسعار، لا سيما أسعار المنتجات الغذائية، أثر بشكل أقوى على الأسر ذات الدخل المحدود، نظرا لكون هذه المنتجات تحتل مكانة أكبر في سلة استهلاكها مقارنة بالفئات الميسورة.