أنهت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة اختبارات الدورة العادية من الامتحان الوطني الموحد لنيل شهادة البكالوريا برسم دورة ماي 2025، وسط إشادة رسمية بالأجواء التنظيمية وارتفاع نسبة الحضور، لكن خلف ستار الانضباط، ظلت بعض التحديات قائمة، أبرزها ظاهرة الغش المتطورة، التي لم تعد تقتصر على الطرق التقليدية، بل صارت تنطوي على تقنيات عالية تستعصي أحيانًا على الكشف.
و أعلنت الوزارة عن تسجيل 2769 حالة غش خلال هذه الدورة، أي بتراجع قدره 12% مقارنة بسنة 2024. وقد تم تحرير محاضر رسمية بشأن جميع الحالات، مع عرضها على اللجان الجهوية المختصة التي ستقرر العقوبات وفق القانون رقم 02.13 المتعلق بزجر الغش في الامتحانات لكن خلف هذه الأرقام، تظهر حالات صادمة لتلاميذ تم توقيفهم بعد ضبطهم متلبسين باستعمال أجهزة دقيقة لا يتجاوز حجم بعضها حجم زر القميص، بل وتم العثور على نظارات ذكية مزودة بكاميرات دقيقة مرتبطة بتطبيقات ذكاء اصطناعي.
في تصريح قالت الأستاذة “ن. ب.”، وهي أستاذة للغة الفرنسية مكلفة بالحراسة في مركز بالرباط لاحظت حركة غريبة على تلميذة كانت تلمس شعرها مراراً، وبعد استئذان الإدارة، تم اكتشاف سماعة دقيقة مخبأة أسفل شعر مستعار. كانت مرتبطة بجهاز إرسال داخل حزامها. تلميذة في 18 من عمرها تستعمل تكنولوجيا معقدة بهذه الطريقة أمر صادم.”
وأكدت أن هذه ليست الحالة الوحيدة، وأن عدداً من الأساتذة أصبحوا يتلقون تكوينات حول كيفية اكتشاف وسائل الغش التكنولوجية الحديثة، لكنهم يعتبرون أن السباق بين التكنولوجيا والمراقبة غير متكافئ، في مقابلة مع أحد التلاميذ الذين اجتازوا الامتحان هذه السنة، رفض ذكر اسمه، عبّر عن أن الضغط النفسي من طرف العائلة والمجتمع هو السبب الرئيسي في اتجاه البعض نحو الغش حين يسمع الطالب يومياً أن البكالوريا هي كل شيء، وأن الفشل يعني نهاية مستقبله، فإنه يفكر في كل السبل للنجاح، حتى غير المشروعة… هناك تلاميذ لا يملكون أدوات المراجعة، أو لم يحصلوا على دعم نفسي كافٍ، ويلجؤون للغش كحل أخير.”
حسب المعطيات الرسمية، بلغ عدد المترشحين الحاضرين في هذه الدورة 443.769 مترشحة ومترشحا، بنسبة حضور قياسية بلغت 96.9% في صفوف الممدرسين، و63.6% لدى الأحرار. ووصفت الوزارة هذه الأرقام بالإيجابية، كونها تعكس رغبة قوية لدى التلاميذ في اجتياز الامتحانات رغم الضغوط، في ما يقرب من 310 مركز تصحيح بمختلف أنحاء المملكة، بدأ أكثر من 43,000 أستاذ مصحح عملهم منذ بداية يونيو. وستُجرى المداولات يوم 13 يونيو، على أن تعلن النتائج رسمياً يوم 14 من نفس الشهر.
و يُجمع العديد من الفاعلين في الشأن التربوي على أن الغش لا يمكن القضاء عليه فقط بالمراقبة، بل يجب معالجة جذوره من خلال إصلاح شامل للمنظومة التربوية، يعيد للمدرسة مصداقيتها، ويركز على المهارات بدل الحفظ، ويخفف من مركزية الامتحان الوطني كمحدد وحيد للمصير الدراسي.
وفي هذا السياق، صرّح الخبير التربوي لا يكفي أن نعاقب من يغش، بل علينا أن نفهم لماذا يغش. منظومتنا مبنية على التلقين والتصنيف، والمترشح يشعر أن نتيجة الامتحان تُحدد مستقبله بالكامل. هذا يُشعره بالتهديد، ويغيب عنه حس التعلم الحقيقي.”
و رغم التحسن الواضح في مؤشرات النزاهة، تؤكد دورة البكالوريا 2025 أن المعركة ضد الغش لم تُحسم بعد، خصوصاً مع انتشار تقنيات جديدة تستدعي حلولاً موازية في الجانب النفسي والتربوي، وليس فقط الأمني والتقني. ومع اقتراب موعد إعلان النتائج، يأمل آلاف التلاميذ وأسرهم أن تتوج جهودهم بالنجاح، بينما تأمل المنظومة التربوية أن تُتوج هذه الدورة بوعي جماعي جديد يحصن المدرسة من آفات الغش والتلاعب.