أحمد الدرداري
تتجه الانظار الدولية نحو الازمة الدبلوماسية المغربية الاسبانية بحيث كانت تطغى على العلاقات بين البلدين مغازلة تبادل المصالح دون تصفية للارث الاستعماري الذي أضر بالمغرب منذ سقوط الاندلس، حيث تعاملت اسبانيا بمنطق الغالب يرث ويتدخل باستمرار دون تحديد مدة التقادم، وارجاع الحقوق الى اصحابها. كما تعاملت اسبانيا ومنذ زمن طويل بمنطق المغرب عدو افتراضي مع اغفال ان التاريخ يثبت انتقال القوة من دولة الى اخرى، وبسبب حكم المغرب للاندلس على عهد المرابطين وتوغل الحضارة الاسلامية في عمق اوربا، تخاف اسبانيا اليوم من اعادة الامجاد التاريخية لاصحابها، كما تبين ذلك في عودة تركيا الى الواجهة بعد قرن من الحصار الاوربي الذكي. وهو ما يجد مبرره من حيث المبدأ وكمدخل لتسليط الضوء على سبب توتر العلاقات المغربية الاسبانية بفعل جرمي جزائري وبرابط التآمر على الوحدة الترابية للمغرب وضدا في القضاء والقانون الدوليين وذلك كما يلي:
انطلاقا من كون اسبانيا دولة اوربية وعضو مهم في الاتحاد الاوربي وتربطها علاقة حسن الجوار المروض للعداء التاريخي مع المغرب، والمبني على تبادل المصالح والتعاون الثنائي في شتى المجالات الاقتصادية والتجارية والامنية، الا أن ما قامت به اسبانيا من افعال ومواقف تجاه المغرب، جعلت ديبلوماسيتها تقع في ورطة امام محك قانوني جنائي اسباني ودولي وقضائي دولي و اسباني، وسياسي اوربي وافريقي وعربي .
ذلك ان استضافة ابراهيم غالي كمجرم حرب مبحوث عنه بمذكرات اعتقال دولية فوق التراب الاسباني، يجعل الحكومة الاسبانية المساندة له والراضية على ما قام به المجرم غالي من افعال اجرامية في حق الاسبانيين انفسهم والمغاربة و السكان المحتجزين في المخيمات رغم تقديم شكايات كثيرة في الموضوع . وبما أن الحكومة الاسبانية فضلت التعامل مع هذا المجرم باسم الوضعية الانسانية ضدا في حسن الجوار مع المغرب و صدا فيما تعرض له المواطنين المدنيين من قتل وتعذيب واخفاء واغتصاب و تشهير … وبالتالي فان الحكومة الاسبانية الحالية بتركيبتها السياسية المؤيدة للانفصال هي شريكة في الاجرام الدولي وتنكرها لذوي الحقوق في مواجهة الارهابي ابراهيم غالي، مما يستوجب احالة قضية التأييد السياسي الاسباني للأفعال الجنائية الدولية على انظار المحكمة الجنائية الدولية، وكذلك القضاء الاوربي لمعرفة مدى استقلالية القضاء عن الحكومات والكشف عن معيارية انتهاك حقوق الانسان وايضا امتحان الديمقراطية التي تتباهى بها الدول الاوروبية.
ثم هناك قضية ثانية في نفس السياق وتتعلق بتزوير هوية شخص مبحوث عنه دوليا وهو عمل يمكن ان يتطور لمساعدة الارهابيين على الوصول الى اهدافهم في قلب اوربا واحداث تخريب يسيء الى استقرار وأمن الشعوب الاوربية، وارتكاب هذا الفعل من طرف جنرالات الجزائر وجهاز الاستخبارات الجزائرية واقناع الحكومة الاسبانية والاستخبارات الاسبانية بهذا يدل أيضا على عمق التآمر على أمن الدول بهويات مزورة و مشبوهة ومغرضة، مما يدل على ان القانون الدولي في حالة فوضى و أن الخداع والكذب والتزوير في الملفات والقضايا الدولية ومنها قضية الصحراء المغربية باتت ملفات تستوجب المساءلة السياسية والعسكرية والاقتصادية بين الدول، وان الدبلوماسية في مثل هذه الحالات هي مدخل للحروب الجديدة التي تتوخى النيل من استقرار الدول و استهداف الثروات النفطية والمعدنية والبحرية والتي تقابل بالتجارة الدولية في البشر والسلاح والارهاب.
كما هناك قضية ثالثة وتتعلق بجريمة الهجرة السرية حيث ان الدخول الى اسبانيا سرا يقابل بالاعتقال وارجاع المهاجرين السريين الى اوطانهم، لكن ابراهيم غالي وباسم محمد ابن بطوش تم نقله سريا الى التراب الاسباني وبعلم من سلطات الدولتين، مما يدل على ان التمييز العنصري في موضوع الهجرة الذي دفعت به عصابة العسكر الجزائرية و ايدته السلطات الاسبانية في تنافي تام مع القرارات الدولية في مجال محاربة الهجرة، علما ان المهاجرين العاديين هم الذين يجب ان تشملهم المعاملة الانسانية وليس مجرم حرب لكونهم ليسوا مجرمين ولا يشكلون خطرا على اوربا ماعدا تكلفة ادماجهم في الحضارة الاوربية التي ساهم اجدادهم في بنائها تحت سياسة الاسترقاق والعبودية والاستبداد والاهانة الاقتصادية والثقافية والنفسية.
وهناك قضية رابعة وتتعلق بتطورات النزاع المفتعل في الصحراء المغربية وتتبع السلطات الاسبانية لتطوره بحكم انها هي صنيعته ومنه التناقض في النزاع بين ادعاء زعماء جبهة ما يسمى البيوليساريو ومؤيديها حكام الجزائر واسبانيا وبين هوية هؤلاء الزعامات الانفصالية المغربية الولادة والمزورة بالانتماء السياسي والديبلوماسي الجزائري، ذلك ان الهوية الديبلوماسية المزورة لابراهيم غالي تدل على حمل الجزائر لمشروع الانفصال المشترك مع اسبانيا وقد انكشف للعالم اجمع، واضحى اليوم موقف المغرب شرعيا وقانونيا مقنعا للمجتمع الدولي ولحقه في الضغط على اسبانيا والجزائر للخروج الى العلن واعلان الاستسلام في ساحة الحرب الباردة الجديدة مع المغرب، او اعلان الحرب مباشرة ليعلم الشعب المغربي انه مطالب بالرد على كل من يستهدف وحدة الوطن والثوابت والسيادة والرموز الوطنية التاريخية والهوية الثقافية.
وتجدر الاشارة الى ان هناك قضية خامسة وتتعلق بمآل حسن الجوار والمشاريع التنموية المشتركة بين المغرب واسبانيا في مواجهة جبهة البوليساريو والخنوع للامر الواقع والتعاطي البراكماتي والاولوية بين البلدين الجارين خصوصا وان الامتداد الاقتصادي والاستراتيجي لاسبانيا لا يمكنه الاستغناء عن دور ومكانة المغرب الجيوستراتيجية وهذا فيه احراج كبير لصناع القرار في اسبانيا الذين لا يمكنهم المراهنة على الغدر والهروب من الالتزامات متى شاؤوا وانما هم ملزمين باظهار رغبتهم ونيتهم وقرارهم النهائي تجاه المغرب والنظر الى مصالح اسبانيا في مقابل حقوق المغرب التاريخية ومصالحه الاستراتيجية ومنها سيادة المملكة المغربية ووحدة تراب المغرب، خصوصا وان ردود الفعل المغربية تجاه تورط الحكومة الاسبانية في قضية استقبال المجرم ابراهيم غالي عبرت عن استياء كبير وأسف شديد بسبب الموقف الاسباني المخاذل للمغرب، وما تخفيه اسبانيا من تدليس في قضيته الاولى. كما تنتظر الخارجية المغربية الجواب بالافعال وليس بالاقوال، حيث ان اسبانيا قد تبتكر جوابا مغلفا بالدواعي الانسانية لكن لن يكون مقنعا ما عدا اذا نزلت الى طاولة المفاوضات وقدمت اعتذارا مبررا بفتح قنصليتها بمدينة الداخلة بجوار الدول التي تراهن على التعاون الاقتصادي الاستراتيجي لكونها شريكا مميزا للمغرب وهو ما يتعارض مع ابقاء المغرب ضمن دائرة الصداقة الممزوجة بالتآمر .
وهناك قضية سادسة وتتعلق باعداد تقرير حول الفضيحة الجزائرية الاسبانية وتقديمه الى الامين العام للامم المتحدة واعادة النظر في هوية من هم المحتجزين، وانهاء التعامل مع سكان المخيمات باعتبارهم لاجئين فوق اراضي جزائرية ، حيث ان صفة اللاجئين لا تنطبق على هؤلاء لان من حقهم ان كانوا لاجئين ان يمنحوا صفة مواطنين لاجئين في الدولة الجزائرية، وهو ما لم ترغب فيه الجزائر وتسميهم لاجئين بدلا من المحتجزين لكي تبعد عنها جريمة المشاركة في احتجاز المدنيين، وهذا غير قانوني وغير مقبول وجب على الجزائر واسبانيا تحديد هوية المغاربة وفصلهم عن الجزائريين وغيرهم الذين هم تحت تصرف وتوجيه العصابة الجزائرية وقابلة للتمتع بالجنسية مثل محمد ابن بطوش.
وهناك قضية سابعة وهي قضية مصوغة بالتتابع لما سلف ويتعلق الامر بمكانة الجزائر في الاتحاد الافريقي ومؤسسات التعاون الافريقية والعربية، حيث انها فقدت الاحترام من خلال اعتدائها على المهاجرين الافارقة وتهجيرهم بوحشية وارتكاب افعال لاإنسانية في حقهم في حين تفعل المستحيل من اجل الاهتمام بعصابة البوليساريو ، وفي نفس الوقت تراهن على تصويت الافارقة لتأييدها في الاعتداء على سيادة المغرب والدفع بالنزاع نحو الانفصال او الحرب للانتقام من ما حققه المغرب من تطور.
ان المغرب ورغم ما يحاك ضده من مآمرات وادعاءات مغرضة فان السلطات المغربية لكل عدو بالمرصاد ولا يقابل الفعل الا بالفعل المناسب ومن نفس جنس الفعل او الفعل البديل الذي لا يترك فرصة لمساومة الوحدة الترابية والسبادة الكاملة على كافة تراب المملكة المغربية، وسيكون في المستقبل القريب محاولات التهرب من الفخ الذي سقط في البلدين الجارين المتباعدين سياسيا وايديولوجيا ماعدا والمتقاربين في دعم موضوع الانفصال خارجيا وصده داخليا ، واستهداف التطور المشهود له للمغرب والمعزز بالعلاقات المغربية مع الولايات المتحدة الاميركية واعضاء النادي الامريكي ومنها دولة اسرائيل ودول كبرى تتجه نحو الشراكات الاستراتيجية مع المغرب والتي فتحت قنصلياتها في الصحراء المغربية ومنه تحصين الوحدة الترابية بحدودها البرية و البحرية، وهو ما يحرج الجزائر بريا واسبانيا بحريا وبريا، واصبح مع كل هذا واضحا ان الجغرافية تصارع التاريخ والانتصار للجغرافية بكل الوسائل والديمقراطية تصارع الديكتاتورية والانتصار لا محالة للديمقراطية .