أعطى الخطاب الملكي السامي الموجه للبرلمان، التوجهات الإقتصادية الكبرى لمرحلة الخروج من أزمة “كورونا”، وكشف الخطاب عن التدابير و الإجراءات المالية المصاحبة لمخطط الإنعاش الإقتصادي، عبر تنزيل رؤية إقتصادية متكاملة تهدف الى خلق رواج إقتصادي وضخ دماء جديدة في أسواق المال و الأعمال، والتصدي لحالات الركود، عبر تجديد استمرارية المشاريع الإستثمارية وجلب الإستثمارات الخارجية، ودعم القطاعات المنتجة المتضررة من الجائحة، للحفاظ على مناصب الشغل.
وشكل صندوق محمد السادس للإستثمار، الدعامة الرئيسية في مخطط الإنعاش الإقتصادي، والرافعة القوية لإنقاذ الإقتصاد، عبر ضخ 15 مليار درهم في الصندوق والمساهمة في عمليات الاستثمار والدعم المقاولاتي، وتوقع استثمار بحجم 38 مليار درهم، والدعوة الى خلق شراكات مالية بين القطاع الخاص والقطاع العام، للعمل على مشاريع إقتصادية.
و يعد النهوض بالاستثمار وتحفيزه عبر صندوق الاستثمار الاستراتيجي، ركيزة أساسية لإنجاح إنعاش مستدام وشامل طال انتظاره من طرف الفاعلين الاقتصاديين بعد الأزمة المرتبطة بوباء فيروس كورونا ، وخصص الصندوق الذي أطلق عليه جلالة الملك في الخطاب السامي الذي وجهه يوم الجمعة المنصرم إلى أعضاء البرلمان بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية العاشرة، “صندوق محمد السادس للاستثمار”، لتمويل أوراش البنية التحتية الكبرى وتعزيز رأسمال المقاولات بما يمكنها من تطوير أنشطتها ومن ثم الحفاظ على فرص الشغل وتوفيرها.
وتعتبر الشراكات بين القطاعين العام والخاص جوهر هذا الصندوق الذي سترصد له 15 مليار درهم من ميزانية الدولة، حيث أكد جلالة الملك بهذا الخصوص أن تخصيص هذه الاعتمادات “يشكل حافزا للشركاء المغاربة والدوليين، لمواكبة تدخلاته، والمساهمة في المشاريع الاستثمارية، دعما لخطة الإنعاش، وتوسيع أثرها الاقتصادي والاجتماعي والبيئي”.
ولتوفير الظروف الملائمة لقيام هذا الصندوق بمهامه، على الوجه الأمثل، وجه جلالة الملك محمد السادس تعليماته السامية بأن يتم تخويل الصندوق الشخصية المعنوية، وتمكينه من هيآت التدبير الملائمة، وأن يكون نموذجا من حيث الحكامة والنجاعة والشفافية، وتشمل تدخلات الصندوق مجالات متنوعة و ذات الأولوية على رأسها، إعادة هيكلة الصناعة، والابتكار والقطاعات الواعدة، والمقاولات الصغرى والمتوسطة، والبنيات التحتية، والفلاحة والسياحة.
وفي ما يخص الفلاحة على سبيل المثال، ينتظر بذل مجهودات كبيرة في ما يتعلق بالاستثمار الفلاحي في إطار الاستراتيجية الجديدة “الجيل الأخضر 2020 – 2030” التي تضم مشاريع ضخمة في مجالات الفلاحة والصناعات الزراعية، وينتظر قطاع السياحة الذي يعد أحد القطاعات الأكثر تضررا من أزمة كوفيد-19، أي بريق أمل لإعادة تدوير عجلة القطاع وتعويض الخسائر المتكبدة خلال الأزمة الصحية، ما من شأنه إنعاش مجموعة من المهن المرتبطة بالنشاط السياحي، ومنها على الخصوص الفنادق والمطاعم والنقل السياحي.
ومن أجل تدبير هذا التنوع بشكل جيد، سيرتكز “صندوق محمد السادس للاستثمار” في تدخلاته على صناديق قطاعية متخصصة، تابعة له، حسب المجالات ذات الأولوية، التي تقتضيها كل مرحلة، وحسب حاجيات كل قطاع، حيث أكد المهدي الفقير، الخبير الاقتصادي المتخصص في تقييم السياسات العمومية، أن “صندوق محمد السادس للاستثمار” يرتكز على “نموذج حكامة جماعية، قائم على الأداء النوعي، وموجه نحو أهداف ونتائج قادرة على إعطاء دينامية جديدة للاقتصاد الوطني، وعلى تعزيز خلق فرص شغل، مع الحفاظ على مصادر الدخل”.
وحسب الخبير الاقتصادي، فإنه من المهم أن يكون هذا الصندوق السيادي قادرا على القيام بدوره الابتكاري بشكل كامل، وذلك من أجل العمل على إحداث تحول بشأن مختلف البنيات المجتمعية والاقتصادية الإنتاجية، لمواكبة عملية تنفيذ النموذج التنموي الجديد المندمج الذي يمكن من خلق قيمة مضافة، وتحقيق جميع شروط التنمية المستدامة.
و أبان قطاع الفلاحة، الذي يشكل اليوم رافعة أساسية للإنعاش الاقتصادي، عن قدرته على الصمود خلال الأزمة المزدوجة الناجمة عن جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) وقلة التساقطات المطرية، وبوضعها في صلب خطة الإنعاش التي أعلن عنها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، أول أمس الجمعة، بمناسبة افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان، تظل الفلاحة دائما على رأس الأولويات بالنسبة للمغرب نظرا لإسهامها الهام في الناتج المحلي الإجمالي.
و كشفت الأزمة الصحية الراهنة أهمية هذا الاختيار الحكيم للمملكة؛ القائم على اعتبار الفلاحة قطاعا حيويا بالنسبة للاقتصاد الوطني، من حيث خلق الثروة وفرص الشغل، وتنويع الصادرات، وتقليص معدلات الفقر، حيث أكد جلالة الملك على الأهمية التي يجب أن تعطى للفلاحة والتنمية القروية، ضمن دينامية الإنعاش الاقتصادي، داعيا إلى دعم صمود هذا القطاع الوازن، وتسريع تنفيذ جميع البرامج الفلاحية بما يسهم في تحفيز الاستثمار والتشغيل، وتثمين الإنتاج الفلاحي الوطني، وتسهيل الاندماج المهني بالعالم القروي، وفقا للاستراتيجية الفلاحية الجديدة “الجيل الأخضر 2020-2030”.
وذكر جلالة الملك، بعملية تعبئة مليون هكتار، من الأراضي الفلاحية الجماعية، لفائدة المستثمرين وذوي الحقوق، بما يقارب 38 مليار درهم، على المدى المتوسط، وقال جلالته إن هذا الجهد الاستثماري سيمكن من خلق قيمة مضافة بواقع نقطتين إضافيتين سنويا من الناتج الداخلي الخام، وإحداث عدد هام من فرص الشغل خلال السنوات القادمة، لذا، يضيف جلالة الملك، يجب تعزيز التنسيق والتعاون بين القطاعات المعنية، مع خلق مناخ تحفيزي لفائدة الشباب في العالم القروي، عن طريق خلق المقاولات، ودعم التكوين، لاسيما في المهن والخدمات المرتبطة بالفلاحة.
و اعتبر الخبير الاقتصادي فتح الله السجلماسي أن الخطاب الملكي السامي، حدد التوجهات الاستراتيجية العامة لتحقيق الإنعاش الاقتصادي والاجتماعي، وقال السجلماسي، إن “الخطاب الملكي دق جرس التعبئة العامة من أجل الإنعاش الاقتصادي والاجتماعي، في ظل الأزمة الصحية المرتبطة بفيروس (كوفيد 19)، وحدد السقف الاستراتيجي في ثلاث دعامات رئيسية تشمل إنعاش الاقتصاد وتعميم الحماية الاجتماعية، والحكامة”.
وذهب إلى أن رؤية صاحب الجلالة وقيادته الرشيدة لجهود إنعاش الاقتصاد في السياق الحالي، تشكلان، في حد ذاتهما، دعوة صريحة للتعبئة من أجل ردود فعل استباقية، ليس فقط للتعافي الجماعي من تأثيرات الأزمة، لكن أيضا لتحويلها إلى فرصة جديدة لبلوغ النمو وتحقيق التقدم، واعتبر أن “صندوق محمد السادس للاستثمار” يعد أداة فضلى لمواكبة مجموع التدابير المتخذة من قبل الحكومة، مع التزام الجميع من أجل الإنعاش الاقتصادي والاجتماعي، خاصة وأن استعادة وتيرة النمو لا يمكن أن تتم إلا بتحقيق التوازن بين الشغل والإكراهات الاجتماعية.