في مشهد إيماني مهيب، يتواصل منذ فجر اليوم الخميس توافد حجاج بيت الله الحرام إلى صعيد عرفات الطاهر، لأداء الركن الأعظم من مناسك الحج، وذلك بعد أن قضى معظمهم ليلتهم في مشعر منى، حيث استكملوا ترتيبات الانتقال إلى جبل الرحمة في أجواء روحانية يغمرها الخشوع والطمأنينة.
ومع غروب شمس يوم التروية، بدأت قوافل الحجيج بالصعود إلى عرفات، وسط انسيابية لافتة في حركة الحشود، تم تأمينها عبر خطط دقيقة تعتمد على منظومة متكاملة من وسائل النقل الحديثة، في مقدمتها قطار المشاعر الذي ينقل نحو 350 ألف حاج، إضافة إلى 24 ألف حافلة تعمل بنظام التردد لنقل الحجاج عبر مسارات محددة ومؤمّنة.
جاهزية متكاملة ومشاريع تظليل وتبريد
وفي إطار الاستعدادات الكبرى لهذا اليوم، أنجزت الجهات المختصة تطوير وتظليل 85 ألف متر مربع من ساحة مسجد نمرة، وزُوِّدت بـ 320 مظلة ضخمة و350 عمود رذاذ، فضلاً عن تشجير المنطقة بما يضمن تلطيف الأجواء وتقليل أثر حرارة الشمس. كما خُصّصت مساحة 60 ألف متر مربع لتبريد وتظليل المسارات في عرفات، وزُوِّدت بمراوح رذاذ مائي تضمن الراحة لضيوف الرحمن.
خدمات طبية وأمنية وتقنية على مدار الساعة
وتمتد مظلة العناية لتشمل خدمات طبية وأمنية متقدمة، حيث ينتشر ميدانيًا مستشفى جبل الرحمة، إلى جانب عدد من المراكز الصحية والنقاط الإسعافية التي تعمل بطواقم طبية مجهّزة للتعامل مع الحالات الطارئة. كما تم دعم المشعر بأنظمة إلكترونية ذكية لمراقبة الحشود وتنظيم حركة الحجاج، إضافة إلى توزيع فرق للتوعية والإرشاد بعدة لغات، وتوفير ترجمة فورية لخطبة عرفة بـ 34 لغة عالمية.
وتعتمد الجهات التنظيمية على تطبيقات رقمية حديثة لمساعدة الحاج على تحديد موقعه، ومعرفة مواعيد التفويج والانتقال بين المشاعر، ضمن استراتيجية رقمية شاملة تعزز من جودة الخدمات المقدمة في موسم الحج.
مشعر عرفات… قلب الرحلة ومهوى الدعاء
وتُعد الوقفة بعرفة أعظم أركان الحج، إذ قال النبي ﷺ: “الحج عرفة”، ويحرص الحجاج في هذا اليوم على التفرغ للذكر والدعاء، والوقوف بخشوع على جبل الرحمة الذي يتوسط عرفات، وهو أكمة حجرية صغيرة يبلغ ارتفاعها نحو 65 متراً عن سطح الأرض، ويتوج قمته شاخص أبيض يبلغ ارتفاعه 7 أمتار.
ويُعرف هذا الجبل بعدة أسماء أبرزها “جبل الدعاء” و”جبل التوبة”، لما يحمله من رمزية دينية عميقة وارتباطه بسيرة النبي الكريم وخطبته في حجة الوداع.
وبعد أداء صلاتي الظهر والعصر جمعًا وقصرًا، يبدأ الحجاج بالنفرة إلى مزدلفة مع غروب شمس التاسع من ذي الحجة، حيث يبيتون فيها قبل إتمام مناسكهم في مشعر منى بدءاً من رمي جمرة العقبة.
أجواء إيمانية وتنظيم رفيع
وتستمر مشاهد التنظيم الدقيق للحشود في مشعر عرفات شاهدة على التكامل بين الاستعدادات الميدانية والتقنيات الحديثة، في ظل متابعة مستمرة من الجهات العليا المعنية بالحج، التي تحرص على تسخير كل الإمكانات البشرية واللوجستية لخدمة ضيوف الرحمن، بما يضمن أداء مناسكهم في يسر وأمان وسكينة.