دخلنا زمنا يكسوه ضباب المفاهيم، حيث لم تبق قيمة لشيء، وتم استسهال كل الأمور، حتى الوزارات، التي هي من الوزر، تشرئب لها أعناق الجميع، بل يتولاها أحيانا من لا مؤهلات لديه، سوى القرب من القيادة، وبما أن الأمور اختلطت فحتى الزعماء لم يعد لديهم رادع يردع ألسنتهم، وكان المغرب في السابق يعرف زعماء يزنون كلامهم بماء الذهب، وحتى ما كنا نعتبره “سذاجة” كان مقصودا، ويصدر عن قيادات حقيقية تتعمد “التنكيت”، أما اليوم كلما نطق زعيم سياسي وضعنا أيدينا على قلوبنا، وربما سنتعلم وضعها على آذاننا حتى نرتاح.
عبد اللطيف وهبي، اليوم هو زعيم حزب الأصالة والمعاصرة، ومن غير المهم البحث عن آليات فرز النخب والقيادات في المغرب، لكن كل واحد يحاسب بما ألزم به نفسه. قال لسبوتنيك: بعد خروج الإسلاميين لابد من النقاش مع المواطنين بفكر حداثي يناهض الفكر المحافظ. وهو شبيه بما قاله مصطفى بنعلي، أمين عام جبهة القوى الديمقراطية: لقد خرجنا من الدولة الإسلامية إلى الدولة الحداثية.
ما قاله “الزعميان” هو كلام إنشائي فقط، لأن الحداثة مفهوم دقيق نعرف أن هؤلاء السياسيين، لم يدوروا قرب رحاه، لكن يحتاج وهبي للتذكير فقط أن الحزب الذي يتزعمه يسمى: الأصالة والمعاصرة. فمؤسسوه جمعوا بين الأمرين في إطار صراع إديولوجي كان واضحا حينها. كما ينبغي أن نذكر وهبي بأن عدد المقاعد التي حصل عليها في الانتخابات والتي بوأته المكانة الثانية التي يفاوض بها من أجل المقاعد في الحكومة، لم يحصل عليها لأنه حزب الأصالة والمعاصرة، ولكن لأنه رشح زُمرا من الأعيان، الذين يفوزون بالمقعد بأي لون سياسي كان.
والأمين العام نفسه فاز بالمقعد لأنه ترشح في دائرة تسمى بلغة المغاربة “البلاد” يعني ابن المنطقة وكان عليه أن يجرب حظه في دائرة أخرى ليعرف أنه “غير داوي”.
نعرف أن نقاشا من هذا النوع لا معنى له. فوهبي عقد تحالفا مع الإسلاميين، عندما لم يكن متيقنا من سقوطهم، كي يضمن مكانه في التحالف الجديد، ولما سقطوا التحق بأخنوش. لو نجح حزب العدالة والتنمية اليوم هل كان سيقول مثل هذا الكلام.
ما قاله وهبي يعني أن الدولة غير قائمة وأن الحزب الفائز بالرتبة الأولى هو من يحدد طبيعتها، والدولة في المغرب مطبوعة بالأصالة المنفتحة على آفاق العصر، وهذا ما تجسده القراءة المتجددة للنص الديني التي تقوم بها إمارة المؤمنين. فالناس صوتوا على الإسلاميين بحثا عن ضامن أخلاقي وليس بحثا عن معنى ديني، ولما تبين لهم أن الأحزاب متشابهة عاقبوهم.
لا معنى للحديث عن الحداثة، لأن المجتمع عاقب حكومة أجهزت على كل ما هو اجتماعي. المجتمع يقول لوهبي: ماذا ستفعل في المواد الأساسية التي ارتفع ثمنها؟ هل ستلتزمون بالبرامج الانتخابية أم ستتركونها وراء ظهوركم؟ لا يريد الشعب حداثة “الكلام” ولكن حداثة “الخبز”.