قالت حركة ضمير في رسالة مفتوحة إلى رئيس الحكومة إذا كان اليومَ من استغراب في الفضاء العام، فإنه يتعلق باستمراركم في إنكار الواقع، من خلال إنكار الإخفاقات المتعددة لسياستكم والإصرار على تجاهلكم لمعاناة مواطنينا والصعوبات التي تواجهها المقاولات الصغيرة والمتوسطة. كيف يمكنكم تعليل الادعاءات العديدة المعلنة في خطابكم حول انسجام أغلبيتكم البرلمانية، أو تثمين الكفاءات الوطنية من خلال حكومة تلجأ بصورة منهجية لخدمات مكاتب الاستشارة الأجنبية، أو ضمان استدامة تمويل ورش تعميم الحماية الاجتماعية في ظل حسابات عمومية غير صادقة، أو التحكم المزعوم في العجز المزدوج في الوقت الذي يكون فيه رصيد الميزانية مجرد متغيرة للتقويم ؟
وأضافت: ها أنتم في منتصف فترة ولايتكم، وبعد أن تعهدتم بعشرة التزامات رئيسية رسمية، في إطار تصريحكم المتعلق بسياستكم العامة، وبعد أن قدمتم العديد من الوعود للمغاربة، وبعد دعوة النقابات للتوقيع على اتفاقيات ثلاثية مع حكومتكم وأرباب العمل، اتفاقيات لم تدخل بعدُ حيز التطبيق، وبعد اتفاقكم على الرفع من الحد الأدنى للأجور – وهذا قرار محمود في حد ذاته – لكن دون أن تهيئوا له شروط إعمال متوازنة، ونعني بذلك تسريع وتيرة النمو الاقتصادي، وإيجاد حلول لهشاشة الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتحديث الإدارات العمومية، ها أنتم اليوم مستمرون في سياستكم التي بقدر ما هي منعدمة الفعالية، بقدر ما هي جائرة. لقد أصبح هذا الوضع لا يطاق بالنسبة لمواطنينا وللفاعلين الاقتصاديين ببلدنا. والسكوت عن هذا الوضع سيكون بمثابة تخلٍّ من قِبل “حركة ضمير”، وهو أمر لا يتماشى وفهمها للواجب الوطني.
وأوضحت الرسالة أن رئيس تعهد بتحقيق معدل نمو اقتصادي سنوي بوتيرة 4% وخلق مليون فرصة عمل صافية في نهاية ولايتكم؟ ليس ثمة عذر مرتبط بمخلفات الجائحة أو الاضطرابات الجيوسياسية الخارجية أو تقلبات التساقطات المطرية، يمكنه أن يبرر معدل نمو متواضع لم يتجاوز 1.3٪ في عام 2022 و2.9٪ في عام 2023، أو تدمير 181000 فرصة عمل صافية في الاقتصاد الوطني منذ توليكم رئاسة السلطة التنفيذية، في حين أن الحكومات السابقة التي عرفها المغرب منذ أكثر من عقدين من الزمن، خلقت جميعها، بدون استثناء، فرص عمل صافية خلال ولايتها. هل نذكركم أيضا بالتزامكم برفع معدل نشاط النساء إلى 30%، وانتشال مليون أسرة من الهشاشة والفقر، وتقليص مؤشر جيني إلى 39%، وتوسيع الطبقة الوسطى، وأداء دخلِ الكرامة الشهري لكبار السن الذين يبلغون من العمر 65 عاما فما فوق والذين لا دخل لهم، وهو ما سيكلف الميزانية العامة للدولة في نهاية المطاف مبلغ 28 مليار درهم سنويا.
وأشارت إلى أن قائمة التزامات الحكومية طويلة، شأنها شأن قائمة تنازلات رئيسها السياسية. أما قائمة إخفاقاتكم، تقول الرسالة، في الحكامة العمومية فهي أطول. المشكلة بالنسبة لكم، السيد رئيس الحكومة، كما بالنسبة لمواطنينا ومقاولاتنا، الضحايا الجانبيين لسياساتكم، تتمثل في كون البيانات الإحصائية لاقتصادنا الوطني الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط وبنك المغرب، قد برهنت على التراجع المقلق الذي يعانيه المغرب في مختلف المجالات التي جعلتموها أولوية لبرنامجكم الحكومي، والتي ترجمتموها إلى التزامات رسمية. هذا هو الحال مع معدل نشاط النساء الذي انخفض إلى 19% أو معدل البطالة الذي ارتفع إلى 13%. إن وضعية 3.2 مليون مغربي الذين تدحرجوا تحت عتبة الهشاشة أو الفقر، إثر التأثير المشترك لجائحة كوفيد-19 والضغوط التضخمية، التي لم تتمكن حكومتكم من كبحها، هي دليل آخر على فشل سياستكم. ماذا يمكن أن نقول أيضًا عن إفلاس المقاولات الذي تفاقم بنسبة 15٪ في عام 2023 ليصل إلى حوالي 15000 وحدة، أو عن عجز الميزان التجاري الذي لا يزال عند مستوى مذهل، حيث أنه يتعدى 20٪ من الناتج المحلي الإجمالي، في سياق تقلبات شديدة في صادرات الفوسفاط والأسمدة والأحماض الفوسفورية، وتباطؤ، أو حتى تراجع، في قطاعات التصدير الأخرى باستثناء صناعة السيارات. فكيف يمكن تفسير استقرار الحصة النسبية للقيمة المضافة الصناعية في الناتج المحلي الإجمالي الوطني عند حوالي 15%، على الرغم من تنفيذ أربع خطط تصنيعية منذ عام 2005؛ أو تراجع القروض البنكية لتجهيزات الصناعات التحويلية إلى أقل من 20 مليار درهم، في وقت تمكنت البنوك من زيادة حجم قروضها لزبنائها ب 370 مليار درهم ليصل إلى 1.115 مليار خلال عقد واحد، إن لم يكن بسبب إحجامها عن مواكبة سياسة الدولة التصنيعية. وكيف لا نقلق من تفاقم الديْن العمومي الذي بلغ مستويات غير مسبوقة (1.196 مليار درهم في نهاية يونيو 2023، أو 90% من الناتج المحلي الإجمالي)؛ أو ما تسميه حكومتكم “التمويل المبتكر”، وهو مبتكر بالاسم فقط، فيما يتعلق بعمليات إعادة التأجير الأساسية التي مكنت من تفويت أكثر من 100 مليار درهم من أصول الدولة إلى الرأسمال الخاص في ظل تعتيم كامل ودون ترخيص مسبق من ممثلي الأمة؟ كيف لا نذكر بفشل حكومتكم في الاضطلاع بالتوجهات الأساسية للرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم 2015-2030، مع أن خطوطها الكبرى متضمنة في القانون الإطار 51.19 الملزم الذي صدر قبل 5 سنوات، وظل حبرا على ورق إلى اليوم – باستثناء بعض التدابير المجددة المسجلة – الأمر الذي ساهم بشكل كبير في تدهور المناخ الاجتماعي في قطاع التعليم وفي الأشهر الثلاثة من الإضراب شبه المستمر في قطاع التربية الوطنية، والذي ستكون عواقبه التربوية بلا شك ضارة للغاية بالعملية التعليمية، دون إغفال إضراب طلاب الطب وطب الأسنان والصيدلة، مما ينذر بخطر سنة بيضاء في المغرب.
وأوضحت الرسالة أن مؤاخذاتها على الحكومة عددها كبير وعواقبها وخيمة، وبعضها أشدُّ ضررا من بعض على المواطنين وعلى المقاولات بالمغرب. ولكن هناك مأخذ يرمز إلى فشل سياستكم: وهو يتعلق – كما قد خمنتم بدون شك – بقضية المحروقات ومصفاة النفط المغربية “لاسمير”. هذا الملف، الذي أنتم طرفٌ فيه شخصيا بحكم مصالحكم التجارية الخاصة، كان ينبغي أن تتخذوا بصدده إجراء التنحي بمجرد توليكم منصب رئيس السلطة التنفيذية، كي تتجنبوا خطر حيازة مصالح بشكل غير قانوني. إن تضارب المصالح يتم تحديده في هذا الشأن من خلال بناء قانوني ومالي بسيط، بصفتكم المساهم الأكبر في المجموعة النفطية الأولى في المغرب. غير أنكم لم تقوموا بأي مبادرة في هذا الاتجاه.
وقالت في سياق آخر: إذا كان تحرير قطاع المحروقات، في ديسمبر 2015، في عهد حكومة بنكيران، قد مكن من تخفيف الضغط على صندوق المقاصة وتقليص عجز الميزانية تبعا لذلك، إلا أن آثاره كانت كارثية على القدرة الشرائية للمواطنين وعلى القدرة التنافسية للمقاولات الصغيرة والمتوسطة. وفي الواقع، فإن عدم وجود تدابير الدعم، من خلال المساعدات المباشرة للأسر الأكثر هشاشة، وغياب تقنين السوق، حيث كان مجلس المنافسة غير فاعل آنذاك، فتحَ الطريق أمام ممارسات مضرة منتهكة لقانون حرية الأسعار والمنافسة. وهو ما أقر به في النهاية الفاعلون الرئيسيون في قطاع النفط، بعد ما سبق أن نفوه مرارا. والحال، أن هذا الاعتراف تم في ظل منظومة تشريعية يسهل اختراقها، تسمح بـ “الصفقة الودية”، حسب المصطلح المستخدم من قبل مجلس المنافسة، أو بالأحرى، وبعبارة ملطفة، بترتيبٍ موات للغاية لمرتكبي جناية الممارسات المضادة للمنافسة. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه على إثر الاختلالات الداخلية التي شهدها مجلس المنافسة شهر يوليو 2020 وتقديم تقرير التدقيق اوالتفتيش من قبل اللجنة المخصصة المكلفة بالتحقيق في هذه الاختلالات، أعطى جلالة الملك توجيهاته السامية لحكومة العثماني لإجراء إصلاح عميق لقانون المنافسة. لكن وأمام مسلسل المماطلة في هذا الشأن، فإن حكومتكم هي التي ورثت هذا الملف، وقامت وبدون إجراء التنحي، باستصدار قانونين غير مكتملين من قبل أغلبية برلمانية مريحة. أما أوجه القصور في هذين القانونين فهي متعددة ووخيمة العواقب: مثل الحد من علنية قرارات المجلس بحيث لا يتم الكشف عن “الأسرار التجارية”، والعقوبات الجنائية ضد أعضاء المجلس الذين يكشفون محتوى المداولات، والسلطة غير المتناسبة الممنوحة للمقرر العام ليقترح على المجلس غرامات دون أي قيود أو تخفيض جذري في أساس حساب رقم المعاملات المستخدم لتحديد العقوبة. ولولا هذه العيوب التشريعية، كان من الممكن أن تكون غرامة المعاملات المتواضعة التي بلغت 1.84 مليار درهم، في مستوى مختلف تماما وكان من الممكن أن تضمن إيرادات استثنائية لماليتنا العمومية. ولنذكر، في هذا الصدد، أن اللجنة الإستطلاعية البرلمانية حول المحروقات، التي قدمت تقريرها في ماي 2018، قدرت الأرباح غير المشروعة للقطاع بنحو 17 مليار درهم على مدار عامين ماليين فقط؛ وهو مبلغ يصل إلى ما يقارب 60 مليار درهم مع نهاية 2023 حسب تقديرات الجبهة الوطنية لإنقاذ المصفاة المغربية للبترول لاسمير.