في الأسابيع الماضية انبرى وزير العدل لنقاش لم نعرف أساسه حول الحريات الفردية، مستلا من عنوان حزبه المعاصرة ضاربا عرض الحائط الأصالة، وهما مقترنان كما أراد مؤسسو الحزب الذين لم يكن منهم، وأكثر من الحديث عن الحريات الفردية إلى درجة اتهام المغاربة بالولادات اللقيطة، واليوم نقرأ عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي استقبل تنسيقية تحمل اسم “تنسيقية المسيحيين المغاربة” يطالبون باستعمال الكنائس في طقوسهم
من حيث المبدأ لا اعتراض على حريات الناس ولا يمكن ذلك أصلا، لكن المبادئ لم تكن في يوم من الأيام مجردة، ولكنها جزء من معادلة دقيقة ومعقدة، وليعذرنا وزير العدل الذي ليس له تكوين علمي حتى يفهم في الرياضيات، وبالتالي إطلاق الحديث على عواهنه مضر بالصحة الروحية للمجتمع والسلامة النفسية للمواطنين
حرية المعتقد مرتبطة بالضمير وهي مسألة لا سلطة لأحد عليها، والحرية الفردية هي حرية كل واحد في التصرف في جسده ولا سلطة لأحد عليها، ولكن الفضاء العام ليس مكانا للاختيارات الشخصية بل هو مجال لسريان القانون، ولو كان كل واحد حرا في التصرف في الفضاء العام لخربت الدنيا وأهلها، ليس في الفضاء العام حرية ولكن انضباط لقوانين متوافق عليها تجيب عن أسئلة وحاجات الناس
طبعا تهرب الناس من الانضباط لكنها تطلبه عندما تصبح حريتها في خطر. فهناك من يكره الدولة ومؤسساتها لكن عند الاعتداء عليه يحتمي بعناصر الأمن. هذا دليل على أن الفضاء العام ليس مجالا للحريات ولكن مجال للتوافق والاتفاق.
لدينا سؤال جوهري موجه لسعادة الوزير ولتنسيقية المسيحيين: هل المغاربة اليوم هذه هي مطالبهم؟ هل أصبح المغاربة يعانون من التخمة في الحقوق والواجبات ولم يبق لهم إلا أن يصبحوا مسيحيين ويتصرفوا في أجسادهم بحرية؟ لا يمكن تهريب الأسئلة الحقيقية في أسئلة وهمية. لا يمكن الهروب من الجواب عن العيش بالنقاش البزنطي.
لكن لنفترض أن المغاربة أصبحوا في بحبوحة من عيشهم، فهل هذه مطالبهم؟
يتم الترويج للظواهر الشاذة تحت مسميات القيم الكونية. وهو شعار براق. لكن في الواقع لا توجد قيم كونية بتاتا، وإنما هي قيم محلية للمتغلبين يريدون فرضها على العالم، بدليل أن نهوض روسيا والصين غير الكثير من المفاهيم عن القيم الكونية وعن الحريات الفردية.
المغرب له قيمه التي لا يمكن أن يتنازل عنها. وهو ملتزم بإخضاغ تشريعاته لمنظومة القانون الدولي، لكن كان واضحا صريحا في ذلك هو ألا تتعارض بتاتا مع منظومة القيم المحلية. ولقد كان جلالة الملك واضحا عندما قال ذات خطاب “بصفتي أميرا للمؤمنين لن أحل حراما ولن أحرم حلالا”.
الأمر هنا يتجاوز ما هو فقهي إلى تأطير منظومة القيم بعنوان الدين الذي يصدر عنه المغاربة، والدعوات السالفة، التي يمكن أن تتلوها دعوات أخرى مذهبية وغيرها، مهددة للسلام الروحي الذي يعيشه المغاربة لأن فيها انزياحا عن قواعد الاستقرار الديني والقيمي للمغاربة، ولكل شخص حرية ممارسة قناعاته بعيدا عن الفضاء العام المحكوم بسلطة القانون.