وأخيرا استجابت الحكومة لمطالب الشعب بالتخفيف من معاناة الزيادة في الأسعار وغلاء المعيشة الفاحش، فقررت بناء 11 سجنا جديدا. من المستملحات المتداولة أن إحدى المناطق القريبة من سطات زار سكانَها مسؤولٌ حكومي كبير فقال لهم: ماذا تحتاجون؟ كان يريد أن يعرف هل هم في حاجة إلى مستشفى أو طريق معبدة أو مدرسة فإذا بهم يقولون له: بغينا الحبس راه عين علي مومن بعيدة علينا. فكثرة الهم تُضحك كما يقال، لأن الحكومة في وقت الشدة اختارت بناء السجون في دلالة رمزية تقول لنا “تستاهلو أحسن”.
فماذا يعني بناء مزيد من السجون؟
بناء المزيد من السجون في أي بلد يعني فشل السياسة الاجتماعية للحكومة. يعني فشل المدرسة والاقتصاد والإدماج. فبناء مزيد من السجون دليل على هدر الزمن الاجتماعي في المدرسة، باعتبارها الحاضنة الأولى بعد الأسرة للأطفال الذين يصبحون يافعين ثم شبابا، وبما أن المدرسة لا تؤدي دورها في التربية والتعليم فإن ما ينتشر هو قلة التربية والجهل. دور المدرسة ليس فقط أن تعلم الطفل كيف يكتب ويقرأ ولكن تزرع فيه قيم المواطنة واحترام الآخر والقبول به.
لم تعد المدرسة تقوم بهذا الدور واكتفت في وقت من الأوقات بالتعليم، لكنها اليوم غارقة في مشاكل هامشية، حيث فقدت التعليم أيضا، ولم تعد سوى مشتل لتفريخ مزيد من أشباه الأميين، حيث قال تقرير رسمي إن أكثر من 300 ألف تلميذ يغادرون المدرسة سنويا وهو رقم مخيف ينبغي أن يُطير النوم من أعين المسؤولين، لكن من يدبر شأننا ينام مرتاحا سوى إن نغّصت عليه خسائر شركاته حياته.
المسؤولون المغاربة ينامون بشكل جيد ولا تظهر عليهم آثار الأزمة، بل منهم من ضاعف ثروته فكيف يحزن وعلى رأسهم عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، لكنهم يفكرون في السجون.
بدل السجون يمكن أن تبني تعليما جيدا يخفف من الجريمة، وتزيد عليه تفكيرا عميقا في تحويل البلد إلى دولة منتجة تخلق مناصب الشغل، وكلما كثر العمل قلت الجريمة وكلما ارتفعت البطالة ارتفعت الجريمة وهذه قاعدة.
بدل السجون يمكن أن تبني إعلاما حقيقيا قادرا على ممارسة دوره في التوعية وبناء الشخصية المغربية، في وقت تصرف الملايين من الدراهم على تفاهات أغلبها يساهم في انحراف الناشئة.
وبدل السجون يمكن تعزيز دور الثقافة والمكتبات والقراءة والكتاب، وتشجيع الفعل في هذا المجال، وتعزيز دور “دور الشباب”، التي أغلبها اليوم تعشش فيه “موكة”، ومنح الشباب فرصا لتفجير مكنوناتهم بدل تفجيرها في المخدرات، التي تعتبر بوابة نحو الجريمة.
أما عمليا فيمكن الاستعاضة عن السجون الإضافية بخلق نمط العقوبات البديلة المعمول به في كافة أرجاء العالم، فلا معنى لسجن شخص تم توقيفه في قضية لم يكن فيها لا مجرما ولا جانيا وإنما خاطئ، وبالعقوبات البديلة يمكن تخفيف الاكتظاظ وتقديم الخدمات والتربية على المواطنة.
لكن الحكومة التي تعتقلنا في سجن كبير عبر قراراتها التي أضرت بالأغلبية الساحقة من المواطنين لا ترى فينا إلا موقوفين ومعتقلين.