دعت الجمعية المغربية لحماية المال العام، النيابة العامة إلى فتح العلبة السوداء لبعض النقابات وبعض الأحزاب السياسية المتورطة في أفعال الفساد من اختلاس وتبديد المال العام وغيره، وأكد محمد الغلوسي رئيس الجمعية ، أن تقارير المجلس الأعلى للحسابات يمكن أن تشكل أرضية قانونية صلبة لفتح بحث قضائي معمق حول مالية هذه التنظيمات التي ظلت بعيدة عن دائرة المساءلة، واستغل بعض قيادييها ومسؤوليها ذلك، وظهرت عليهم معالم الثراء الفاحش، وتحول بعضهم إلى “باطرونات” تدير الصناديق السوداء ولها ممتلكات وأموال طائلة، وأضاف أن أبناء هؤلاء القيادات وأقاربهم تم توظيفهم في مؤسسات عمومية بسبب الفساد وعلاقاتها المتشعبة مع بعض مراكز السلطة والقرار، بل إن نفوذهم امتد إلى القطاع الخاص ومنهم من يمارس الإبتزاز ضد بعض الشركات ورجال الأعمال باسم “النضال”.
وأشار الغلوسي إلى أن المجلس الأعلى للحسابات سبق أن وجه إنذارا لبعض تلك النقابات وبعض الأحزاب لإرجاع الأموال العمومية التي تم الاستيلاء عليها ضدا على القانون، إلا أنها امتنعت عن ذلك، لأن قياداتها استشعرت منذ عقود أنها فوق المحاسبة.
ونبه إلى أن هذه القيادات حولت أحزابها ونقاباتها إلى مؤسسات لبيع التزكيات وتوظيف ذوي القربى، وتخلت عن كل المبادئ والقيم، وباتت تدير صناديق عمومية في إطار الأعمال الاجتماعية، وحولت تلك المؤسسات إلى آليات الريع والفساد وضمان الولاءات، وهي صناديق يجب ان تسلط عليها الرقابة وأن تفتحص الأموال التي تديرها والتي استولت عليها تلك القيادات، وظهرت عليها ملامح النعمة، وعرضت مصالح المنخرطين لأضرار جسيمة دون أن تدفع أي حساب وتقاريرها المالية تفوح منها رائحة التزوير والتدليس.
واعتبر رئيس جمعية حماية المال العام أن أهمية هذه المحاسبة، تأتي من كون أنه لا يمكن بناء دولة المؤسسات القوية والرافعة لكل التحديات الداخلية والخارجية مع وجود بعض النقابات وبعض الأحزاب تدافع عن الفساد والريع، ولا تخجل من ترديد شعارات الحرية والكرامة والمساواة في خطاباتها، في حين ممارستها موغلة في الأفعال القذرة، قائلا “على الأجهزة الأمنية والقضائية أن تقلب الأضواء إلى دائرة بعض النقابات وبعض الأحزاب لأن هذا العبث لايجب أن يستمر، والمجتمع فقد الثقة في كل الفاعلين وأكيد أن ذلك ستكون له تداعيات خطيرة على كافة المستويات”.
و بدأت الأحزاب المستفيدة من الدعم العمومي في الانتخابات، تتحسس ماليتها و جيوبها توجسا من تحريك مسطرة نهب المال العام، أمام الحركية الكبيرة للقضاء و الأمن في ملاحقة المتورطين في قضايا فساد مالي، حيث طالب المجلس الأعلى للحسابات الهيئات السياسية والنقابية، بإرجاع مبالغ الدعم غير المستعملة وغير المبررة إلى الخزينة، والتي تفوق 30 مليون درهم ” 3 ملايير سنتيم”، وحث المجلس في تقريره السنوي هذه الهيئات على الحرص على الإدلاء بحساباتها السنوية وحسابات الحملات الانتخابية في الآجال القانونية مع دعمها بكل الوثائق المطلوبة المنصوص عليها قانونا.
ودعا المجلس المصالح المختصة بوزارة الداخلية لمواصلة المجهودات المبذولة في إطار حمل الأحزاب السياسية على إرجاع مبالغ الدعم غير المستعملة وغير المبررة ومواكبتها عبر تنظيم دورات تكوينية دورية لفائدة أطرها المكلفة بالتدبير المالي والمحاسبي والإداري.
وسجل المجلس الأعلى للحسابات وجود قصور على مستوى إثبات صرف مبلغ 5,14 مليون درهم، من طرف الاحزاب السياسية، برسم سنة 2021، إضافة إلى عدم تبرير نفقات بمبلغ 24,86 مليون درهم، تتعلق بحسابات الحملات الانتخابية.
وأوضح المجلس في تقريره أنه تم تسجيل قصور على مستوى إثبات صرف بعض النفقات من طرف 15 حزبا بما مجموعه 5,14 مليون درهم، تتوزع بين نفقات لم يتم بشأنها تقديم وثائق الإثبات المطلوبة، أو تقديم وثائق إثبات غير كافية، أو غير معنونة باسم الحزب، ونفقات تم أداؤها نقدا تتجاوز السقف القانوني المحدد.
وأبرز التقرير أنه تم سجيل نقائص على مستوى الوثائق المدلى بها ضمن الحسابات السنوية والإشهاد بصحتها من طرف خبير محاسب، وعلى مستوى جودة مسك المحاسبة استنادا إلى الدليل العام للمعايير المحاسبية والمخطط المحاسبي الموحد للأحزاب السياسية.
وبخصوص فحص حسابات الحملات الانتخابية للأحزاب السياسية والمنظمات النقابية برسم 2021، فقد أكد المجلس عدم تبرير نفقات بمبلغ 24,86 مليون درهم، من إجمالي مساهمة الدولة في تمويل الحملات الانتخابية لـ28 حزبا و 11منظمة نقابية، والذي ناهز 356,28 مليون درهم، فيما لم يتجاوز التمويل الذاتي للهيئات المشاركة في الاستحقاقات ما مجموعه 31,90 مليون درهم.
وهمت هذه النقائص 22 حزبا و 3 منظمات نقابية، حيث أدلت بنفقات لا تخص الحملات الانتخابية، أو نفقات لم يتم دعم صرفها بوثائق اإلإثبات القانونية.
وفيما يتعلق بوضعية إرجاع مبالغ الدعم غير المبررة برسم الدعم السنوي أو برسم الاستحقاقات الانتخابية، وإلى غاية 22 نونبر 2023، قام 20 حزبا ومنظمة نقابية واحدة بإرجاع مبالغ الدعم العمومي الممنوح لها.
وحسب التقرير فقد تم حصر مبالغ الدعم الواجب إرجاعها إلى الخزينة برسم الاستحقاقات الانتخابية فيما قدره 28,39 مليون درهم، همت 17 حزبا و 3 منظمات نقابية، وهو ما يعادل نسبة 12% من مساهمة الدولة في الحملات الانتخابية لمجالس الجماعات والجهات، ومجلس المستشارين، ومجلس النواب.
كما سجل مجلس الحسابات تخلف 12% من الملزمين من المترشحين عن تقديم حساباتهم، وهو ما يعادل 601 وكيل لائحة ترشيح ومترشح، من بينهم 34 عضوا منتخبا.
وذكر التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات 2022 – 2023 ، أن 20 حزبا ومنظمة نقابية واحدة أرجعت، إلى غاية 22 نونبر 2023، مبالغ الدعم العمومي الممنوح لها بما مجموعه 37,07 مليون درهم، وأوضح التقرير أنه تم حصر المبالغ الواجب إرجاعها، وإلى غاية نفس التاريخ، في ما قدره 28,27 مليون درهم، همت 17 حزبا ومنظمتين نقابيتين، مضيفا أن المجلس الأعلى للحسابات أوصى بمواصلة المجهودات المبذولة من أجل إرجاع الأحزاب السياسية مبالغ الدعم غير المستعملة وغير المبررة إلى الخزينة.
كما أوصى المجلس بمواكبة الأحزاب السياسية عبر تنظيم دورات تكوينية دورية لفائدة أطرها المكلفة بالتدبير المالي والمحاسبي والإداري، وذكر التقرير بأن المجلس الأعلى للحسابات قام بتاريخ 16 مارس 2023، في إطار الصلاحيات الدستورية المخولة له، بنشر تقرير حول تدقيق الحسابات السنوية للأحزاب السياسية برسم سنة 2021، وبتاريخ 8 يونيو 2023، بنشر ثلاثة تقارير حول فحص حسابات الحملات الانتخابية للهيئات السياسية والنقابية وللمترشحين برسم اقتراعات 2021 لانتخاب أعضاء مجلس النواب ومجلس المستشارين ومجالس الجماعات الترابية، أما بخصوص الدعم السنوي الإضافي الممنوح للأحزاب السياسية لتغطية المصاريف المترتبة على المهام والدراسات والأبحاث، فقد تم صرف الدعم السنوي الإضافي برسم سنة 2022 لفائدة سبعة أحزاب سياسية بمبلغ إجمالي قدره 20,10 مليون درهم.
وبحسب التقرير ذاته، فإنه نظرا لقصر المدة الفاصلة بين تاريخ صرف الدعم السنوي الإضافي (ما بين شهري شتنبر ونونبر 2022) والأجل القانوني لتقديم ملفات استعماله (متم شهر دجنبر من سنة 2022)، تعذر على الأحزاب المستفيدة احترام هذا الأجل القانوني، إذ أودعت ملفات استعمال هذا الدعم لدى المجلس خلال الفترة الممتدة بين شهري مارس وغشت 2023، وأشار إلى أن حزبين قاما بإرجاع إجمالي الدعم السنوي الإضافي الممنوح لهما إلى الخزينة لعدم استعماله (2,76 مليون درهم، وبعد فحص مستندات الإثبات المتعلقة بصرف هذا الدعم الإضافي، وأخذا بعين الاعتبار تعقيبات الأحزاب المستفيدة على الملاحظات الموجهة إليها بشأن تبرير صرفه، وقف المجلس على عدة نقائص وصعوبات مرتبطة بتطبيق النصوص التنظيمية ذات الصلة.