قال سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، إن بلادنا تواجه خطر التراجع الديمقراطي. الصفة الوحيدة التي تكلم بها هي رئيس الحكومة باعتباره كان ضيفا على البرلمان.
عندما صدر ظهير الحريات العامة، المعروف لدى القانونيين والحقوقيين بظهير 58، الذي قطع مع فكرة الحزب الواحد، كان سعد الدين العثماني يلهو بلعبته البسيطة كما كل الأطفال، خصوصا أطفال القرى، ولم يكن عمره آنذاك يتجاوز السنتين. عندما تم تعيين العثماني رئيسا للحكومة كان يحصد ثمار سنين من التأسيس والتكوين والنمو، لها ما لها وعليها ما عليها، ولا أحد يزعم الكمال، ولكن يؤمن الجميع أننا في طريق الاكتمال، عن طريق تثمين ما تم تحقيقه والطموح إلى ما ينبغي أن يكون.
ظهير الحريات العامة، الذي تم التوافق عليه والاتفاق حوله والالتفاف على نصوصه صدر وعمر رئيس الحكومة لا يسمح له باستيعاب ما يدور حوله، وهو الذي لم يشم رائحة السياسة بما هي تداول إلا عندما استقبلهم الدكتور الخطيب في بيته الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية وقبل أن ينقلبوا عليه ويطردوا أصحابه ومؤسسيه، هذا الظهير جاء ليحسم توجه المغرب.
الحديث عن قصة ظهير الحريات العامة، وللأسف الشديد لم يستفيدوا من الخطيب الذي يعتبر أحد أركان هذه القصة، حيث تم اعتقاله إلى جانب آخرين لأنهم كانوا من رموز مواجهة سيطرة حزب واحد على الحياة السياسية العامة، وقبل أن يسمعوا نداء “من دخل بيت الخطيب فهو آمن” كانوا يؤمنون بدولة تحكمها الجماعة الإسلامية، الحديث عن هذه القصة يفيد أن المغرب منذ البداية اختار التعددية السياسية بخلاف كثير من الدول، التي حكمت فيها الأحزاب المنبثقة من الحركة الوطنية أو حركة التحرر.
هذا المسار الطويل عرف هنّات في أوقات عصيبة، وكادت ظروف كثيرة أن تعصف به، لكن عند كل منعطف كان يخرج المغرب بخلاصات ينبني عليها سلوكا سياسيا جديدا، وقد تم التقاط الدروس من تجربة الملك الراحل الحسن الثاني ودخول المعارضة التاريخية للحكومة بقيادة الزعيم عبد الرحمن اليوسفي، الذي قدمه المغفور له الراحل الحسن الثاني لأبنائه بأنه “الرجل الذي كان يريد قتلي”..هذا هو المغرب الذي يرفض هيمنة حزب واحد أو تيار واحد.
والدرس الثاني تم استخلاصه من تجربة جلالة الملك محمد السادس، الذي أمر بكتابة دستور للمغاربة، طريقة لم تكن متوقعة في العهد السابق، لكن التطور فرضها، وتوافق المغاربة على دستور قوي بنصوصه، بغض النظر عن التنزيل، المرتبط بالجميع وليس بجهة دون غيرها، بل رأينا رئيس حكومة مثل بنكيران يتنصل من تحمل مسؤولية صلاحيات منحها إياه الدستور.
لا يمكن للمغرب أن يتراجع عن الخيار الديمقراطي، وحاولت قوى كثيرة قيادته نحو انزياح من هذا النوع لكن هناك قواعد تم وضعها ليس لعرقلة سير الأحزاب والتيارات ولكن لإبقائها تسير على السكة ويعرف العثماني نفسه أن جماعته اشرأب عنقها لـ”الربيع العربي” طامعة في حكم خالص مثل شقيقاتها في الدول الأخرى، لكن مسار المغرب يرفض ذلك لأنه مسار تعددي.