مصطفى المنوزي*
بمجرد تصريح رئيس الجمهورية الفرنسية في بداية كلمته بأنه ” يخاطب المغربيات والمغاربة مباشرة ” تبادر إلى ذهني اعداد رد خاص بهذه العبارة التي تنم عن مس مضمر بالسيادة المغربية وبإستقلالية الشعب المغربي عن دولة فرنسا ورئيسها وحكومتها وعن جميع مؤسساتها ؛ لذلك ، وبعد إتمام الإستماع إلى خطابه السيء الذكر ، حررت تدوينة قصيرة جاء فيها : “” السيد رئيس فرنسا:
ليس لك الحق في التحدث إلينا مباشرة. لدينا دولة يمكنكم التواصل معها ومن خلالها، ولدينا سيادة وطنية مستقلة عنكم !””
لقد تفاعل العديد من المغاربة الغيورين مع كلمة الرئيس المنتخب بفضل تصويت أغلبية الفرنسيين والذي كان تصويتا عقابيا واحترازيا تفاديا لصعود اليمين المتطرف والشعبوي ، وبالتالي فالعقل السياسي الفرنسي ، من خلال صناديق الإقتراع والحملة الإنتخابية توافق و تصرف في تمييزه بين مرشح ومرشح من باب ” مكرهون لا أبطال ” ، لأن الخيار كان صعبا ومؤسسا على “” أحلاهما مر “” ، غير أنه للأسف الشديد فما تم تفاديه خلال الإقتراع هو ما حصل ، لذلك يطرح السؤال حول جدوى الإنتخابات إذا لم تساير قناعات الناخبين وإرادتهم ، والتي تروم التغيير من أجل إنقاذ فرنسا التنوير والمساواة والديمقراطية ، وهي قيم صارت كونية / إنسانية منذ الثورة الفرنسية لسنة 1789 ، وحافظت على بعض بريقها كمبادئ مضيئة ، رغم النزعة والذاكرة الإستعماريتين ، ورغم الحروب العالمية والأهلية ، ورغم تعاقب الحكومات بين شعبية وفاشستية واشتراكية ، وقد تركت كل حكومة بصماتها المذهبية والحزبية في سياق مد وجزر ثم مد ؛ غير أن الخيط الناظم فيما بين المسارات والإختيارات هو مبادئ الجمهورية وما رافق تفعيلها وتحصينها من آليات تقوية الطابع الرئاسي للنظام وهيمنة نفوذ السلطة التنفيذية من خلال القوانين الدستورية والتنظيمية المؤطرة بمبدأ “” العقلنة البرلمانية ” التي تقيد حرية المبادرة التشريعية للبرلمان . ولهذا فإن ما جاء على لسان رئيس فرنسا لا يتنافى فقط مع قواعد اللياقة والتقاليد الدبلوماسية ، وإنما يؤكد عدم القطع مع بعض العقليات داخل الدولة الفرنسية مع تمثلات المرحلة الإستعمارية ، ولذلك فتوجيه الخطاب إلى شعب أجنبي عن “” دولتك الفرنسية ” ومستقل بدولته وحكومته وتاريخه وجغرافيته ، لا يعني سوى محاولة لإحياء نزعة الوصاية والحجر الأبويين على مجتمع حر وذي عزة وكرامة ودولة مستقلة ذات سيادة .
من هنا وجب الرد على هذا الإعتداء الشنيع لأنه لا يمس فقط بالإعتبار الشخص لممثل الدولة المغربية ورئيسها الدستوري ولكن يعبر عن خبث دبلوماسي حقير يروم إجهاض مسلسل استكمال المد التحرري من التبعية بنا يعنيه من فك الإرتباط مع الخارج بتصفية فلول الإستعمار والقطع مع عهود الحجر والحماية بعلة الدفاع عن المصالح المشتركة للبلدين . وإن الأمر في آخر التحليل والمطاف يقتضي اليقظة والحذر لمواجهة كل أساليب الإحتواء ، لأن المغرب بكافة قواه الحية يطمح إلى بناء دولة صاعدة توفر لنفسها كل الإقتدار والأنفاس من أجل تبوء موقعا مقدما على المستوى الإقليمي ، موقع تؤطره تنافسية متكافئة تجعل من المغرب قوة إقليمية ذات حضور واعتراف واعتبار على جميع الأصعدة . لقد أهان الرئيس مواطنيه الفرنسيين بعدم التركيز والعناية بأمورهم وأزماتهم ، وثانيا بعدم قدرته على مجادلة نظيره رئيس الدولة المغربية مباشرة ، وبمحاولة شخصنة الصراع والأزمة بين البلدين ، والحال أن للبلدين قنوات التواصل والحوار ، أما إستغلال كارثة الزلزال للإستفزاز والإبتزاز ، فإن أوجب الواجبات إحترام المشاعر والتحلي بالحكمة ، فليست السيادة محلا للسجال والمزايدة ولا الحرية والإستقلال موضوع مساومة . وعلى الشعب الفرنسي أن يسائل دولته عن كل زلات وانحراف مسؤوليها من شأنه أن يضر بالعلاقات التاريخية والإنسانية .لذلك على زملائنا الحقوقيين والمثقفين والإعلاميين وكل التنويريين والحداثيين والديمقراطيين أن يتوافقوا معنا على طرح علامة الإستفهام على كل مستحدث في الخطابات الرئاسية يضر باامصير الإنساني المشترك لأن الخطأ لا يصلح الخطأ ، فلنطلق دينامية الحوار العمومية ، حتى لا تؤدي كلفة أعطاب علاقات المسؤولين وسوء تدبيرها ، ولنكتب ونبوح وندلي بموقفنا ليس من باب التذكير بوجودنا وتحصين كرامتنا فقط ، ولكن لأن المسؤولية ، والواجب والغيرة الوطنية ، تتطلب منا أن نناهض أو ننتقد بعض السلوكات والمواقف في حينها ، وندق ناقوس الخطر بشأنها ، حتى لا يتم التطبيع معها وتصير اعتيادية ، فكم نوايا خطاب تحولت إلى قهر وظلم ثم صارت شيئا مألوفا بسبب الإستكانة والإنصياع لكل التداعيات النابعة أو الناتجة بإسم أن السياسة هكذا ، فهلموا نرد جميعا وتشاركيا الإعتبار للثقافة التي تقود السياسة ؟
*رئيس المركز المغربي للديمقراطية والأمن