طارق ضرار
دخل المغرب السنوات العجاف، معلنا عن مرحلة المواجهة مع الطبيعة القاسية، وفشل المخططات الفلاحية، وتهاوي الاستراتيجيات الوزارية، أضحت تعيش معها البلاد اليوم حالة من الجفاف الطبيعي والجفاف العلمي الزراعي والجفاف في القرارات الفلاحية وجفاف المخططات الحقيقية، حتى تفاقمت الوضعية المائية في المغرب وجعلت من ندرة مياه الشرب وتأثر الفرشات المائية وانحباس المطر العناوين المقلقة في قطاع فلاحي يعد الأهم على مستوى المنظومة الاجتماعية والاقتصادية.
حقيقة إذا كان الجفاف ضرب الأراضي الفلاحية وأربك الزراعات، لكن تبقى اليد البشرية أكثر ما عاث في الأرض فسادا، من استراتيجيات فلاحية زراعية جعلت المادة الأساسية الغذائية الأولى للمغاربة في القمح والقطاني، تعيش نقصا وتحتاج إلى الاستيراد لتحقيق الأمن الغذائي، بعدما نهجت وزارة الفلاحة على مدى 10 سنوات برئاسة عزيز أخنوش قبل توليه رئاسة الحكومة اليوم، وتسليم الوزارة إلى صديقه وكاتب عام الوزارة في عهده “المبجل”. هذا الأخير أي الوزير الجديد الذي لم يجلس على كرسي وزارته لدراسة الملفات الحارقة وفضل التجوال رفقة كاميرا موقع ببركان يظهر أنه يحبه كثيرا، فنهجت سياسات فلاحية انتصرت لخضر وفواكه التصدير وهمشت الحبوب والقطاني ودعمت الضيعات الفلاحية الكبرى وتناست الفلاح الصغير، بالرغم من تحذير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بالمغرب، من أن أربعة أخماس موارد البلاد من المياه قد تختفي على مدار 25 عاما مقبلة، وحذر أيضا من المخاطر على السلم الاجتماعي بسبب شح المياه.
لاشك أن سياسة الأشجار المثمرة والزراعات الاستوائية التي تتطلب مياها جوفية كثيرة، أزمت الوضع المائي في المغرب، بعدما اعتمدت هذه الزراعات على السقي اليومي بـ”الگوت أگوت” والضخ المائي من مياه البحيرات الصناعية داخل الضيعات الفلاحية، ونضبت الآبار الجوفية كما حولت بعض مسارات الوديان نحو ضيعات فلاحية تستهلك المياه بشكل كبير دون ترشيد أو عقلانية، بعدما اختارت الضيعات المتطورة ذات الغطاء البلاستيكي للخضر والفواكه، نشاط التصدير سواء على مستوى الخضر من طماطم أو الفواكه من أفوكا وتوت أرضي إلى نحو ذلك من خضر وفواكه التصدير، وإغفال المادة الأساسية التي تكون العصب الرئيسي للأمن الغذائي في المغرب ألا وهي الحبوب والقطاني.
وضع مقلق للمياه في المغرب، زاد قلقا مع توقف الأبحاث العلمية والعجز “الغامض” في إنجاز دراسات علمية تهم وضعية الفرشات المائية في المغرب، وترسم معالم الخريطة المائية وتتدارس مدى نقصانه وتوافره على مستوى الأراضي، وتعمل على التنبيه لمخاطر غيابه وانعدامه ببعض المناطق الزراعية، وتبحث عن السبل الكفيلة للحفاظ عليه كمعطى حيوي طبيعي.
وضعية فلاحية ومائية تسترعي من العقلاء الوقوف على مظاهرها والبحث في عواملها، والتدقيق في الحيثيات التي ساهمت في تفاقم أزمات المياه في المغرب، ودفعت اليوم بالمملكة إلى التوجه نحو تحلية مياه البحر لأجل الشرب ليس إلا، خطوة تدق معها ناقوس خطر فقدان مادة حيوية أساسية في تكوين البشر قال عنها رب العباد “وجعلنا من الماء كل شيء حي”.