أربك التوجه المغربي الجديد في العلاقات المغربية الإسبانية، بفرض الواقع واختيار المملكة لنهج الصراحة والمعاملة بالند أمام الدول الأوروبية ، أربك الجارة الشمالية وحلفائها في الإتحاد الأوروبي، ودفع الحكومة الإسبانية الى الهروب من مسؤوليتها أمام الشراكة المغربية الإسبانية، ومحاولة التنصل من الإلتزامات الدبلوماسية وأعراف حسن الجوار، عبر استقبال اعداء المغرب و عبر ممارسة نوع من الضغط وسقوط الأوروبيين في النزعة الإستعمارية على إثر خروج نائب بالاتحاد الأوروبي يعتبر حدود سبتة حدود أوروبية، وكشفت التطورات الأخيرة بسبتة عن النفاق الأوروبي تجاه المغرب، بعدما استطاع لمغرب الحصول الى إعتراف أقوى دولة بالعالم بمغربية الصحراء، أمام تقاعس الأوروبيين وتراجع الدور الأوروبي أمام المد الصيني والروسي، وفشل الإتحاد الأوروبي في السياسات دولية، حيث شدد خطري الشرقي، باحث في العلوم السياسية والإعلام بجامعة ابن زهر بأكادير، “إن إسبانيا متوجسة من المكاسب التي حققها المغرب في ملف وحدته الترابية”، وأبرز الأستاذ الجامعي، أن التوتر الذي يطبع حاليا العلاقات بين البلدين يعود إلى ما حققه المغرب من مكاسب دبلوماسية بخصوص وحدته الترابية، خاصة القرار التاريخي للولايات المتحدة الأمريكية بالاعتراف بالسيادة الكاملة للمغرب على صحرائه وفتح قنصليات العديد من الدول في مدينتي العيون والداخلة بالصحراء المغربية.
وأضاف الأكاديمي أن المواقف الأخيرة لإسبانيا تعتبر “سلوكا معاديا” للمغرب، خاصة في ما يتعلق بقضية الصحراء المغربية، التي تعد خطا أحمر بالنسبة للمغاربة، مشيرا إلى أن المغرب يمتلك مجموعة من أوراق القوة التي تخول له الدفاع عن قضاياه الوطنية بثبات واستماتة، وقال الأكاديمي “إن الحكومة الإسبانية الحالية، المكونة من خليط غير متجانس من توجهات سياسية مختلفة، أساءت تدبير عدد من القضايا والملفات مع المغرب”، مشيرا إلى أن الطرف الإسباني لم يستوعب التحولات الكبرى التي طرأت على الواقع الإقليمي، وخاصة على مستوى طبيعة الملفات الجديدة بين البلدين.
وأضاف الأكاديمي أنه في الوقت الذي كان يتعين فيه على إسبانيا الدفع بعقد القمة المشتركة رفيعة المستوى، التي لم يحدد لها بعد أي موعد، بعد تأجيلها عدة مرات، سارعت إلى استضافة المدعو إبراهيم غالي، زعيم انفصاليي “البوليساريو”، والمتابع من طرف القضاء الاسباني بتهم الإبادة الجماعية والإرهاب.
وكشف الموقف الغامض للحكومة الإسبانية بشأن قضية الصحراء المغربية لا يترك مجالا للشك. مدريد تتبنى خطابا مزدوجا في هذا الملف لا يمكن إلا أن يضر بعلاقات حسن الجوار والشراكة الراسخة مع الرباط، ففي الوقت الذي تصر فيه على أن موقفها الرسمي من قضية الصحراء المغربية يظل “واضحا” و”قارا” و”يدعم بشكل كامل” جهود الأمم المتحدة للدفع “بمفاوضات تسمح بحل سياسي متفاوض بشأنه، وعادل ودائم وفقا للقرارات ذات الصلة الصادرة عن مجلس الأمن الدولي”، تتبنى الحكومة الإسبانية موقفا متناقضا يكشف عن عداء صارخ للمغرب وقضيته الوطنية من خلال استقبال، وبتواطؤ مع الجزائر، زعيم الانفصاليين إبراهيم غالي.
وفي الواقع، يتعلق الأمر بعمل استفزازي من جانب الحكومة الإسبانية الذي حرك المياه الآسنة، مما تسبب في ارتباك وسوء فهم تجاوز حدود البلدين كما أن هذا الموقف المؤسف يثير الاستغراب على عدة أصعدة، خاصة وأن مدريد تجد نفسها تقدم الحماية لمجرم مطلوب للعدالة، متابع بتهمة الإبادة الجماعية والاغتصاب والإرهاب وجرائم الحرب والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
ويشكل استقبال زعيم انفصاليي “البوليساريو” في سرية تامة، انتهاكا خطيرا للقانون الدولي ومبادئ العدالة الدولية، ويثير، أيضا، تساؤلات حول إصرار إسبانيا على الإضرار بعلاقاتها مع المغرب، الشريك الاستراتيجي والموثوق، كما أن هذا التصرف المخادع الذي أثار الاستهجان والتنديد في المغرب، زعزع الثقة التي سادت العلاقات بين الرباط ومدريد وقوض شراكة استراتيجية قائمة على المصالح المتبادلة وروح حسن الجوار.
وكشف نفاق الحكومة الإسبانية وازدواجية موقفها المثير للقلق في ما يتعلق بقضية الوحدة الترابية للمملكة، بعدما سبق الخطأ الدبلوماسي المتمثل في استقبال مجرم الحرب، المدعو براهيم غالي، أخطاء جسيمة ارتكبت من قبل رئاسة الحكومة، فحرصا منه على الحفاظ على ائتلافه الحكومي الهش، فضل الاشتراكي بيدرو سانشيز أن يغض الطرف في مناسبات عديدة على انزلاقات نائب الرئيس السابق للحكومة بابلو إغليسياس المعروف بتأييده للانفصاليين في جبهة “البوليساريو” ولخصوم الوحدة الترابية للمملكة، كما أن رئيس الحكومة الإسبانية لم يكلف نفسه عناء تنبيه بيدرو إغليسياس رغم مواقفه العدائية للمغرب، تاركا التوترات بين الرباط ومدريد تزداد حدة، قبل أن تأتي قضية المدعو إبراهيم غالي لتصب الزيت على النار، حيث ان هذه المناورة المؤسفة تقدم بالتأكيد صورة قاتمة عن إسبانيا، لكنها تظهر قبل كل شيء مدى تمادي هذا البلد في سياق من اللامنطق والسخافة من خلال التضحية بعلاقة ممتازة مع شريك استراتيجي مثل المغرب لحماية جلاد متابع بجرائم شنيعة، وذلك مظهر آخر من مظاهر ازدواجية الخطاب والمواقف، مدريد لم تكن متحمسة للغاية، بل محرجة أمام الدينامية التي أثارها الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه؛ وعبرت على لسان وزيرة خارجيتها، غير ما مرة، أن هذا الاعتراف الأمريكي لن يغير بأي حال من الأحوال موقف إسبانيا، التي لا تزال عاجزة عن التخلص من عقدة ماضيها الاستعماري.