تصاعد المخاوف داخل الأوساط الصناعية الأوروبية بشأن التوسع السريع لصناعة السيارات الكهربائية في المغرب، حيث تحولت المملكة إلى قاعدة إنتاجية رئيسية لشركات صينية كبرى، ما دفع مسؤولين أوروبيين إلى مطالبة الاتحاد الأوروبي باتخاذ إجراءات أكثر صرامة لحماية الصناعة المحلية من المنافسة المتزايدة.
وفي هذا السياق، دعا بيلو رودريغيز، رئيس مجموعة “موندراغون” الصناعية الإسبانية، الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز مستويات الحماية لصناعة السيارات الأوروبية، في مواجهة الواردات القادمة من المغرب، حيث تقوم الشركات الصينية بتصنيع بطاريات السيارات الكهربائية وتصديرها إلى الأسواق الأوروبية بأسعار تنافسية.
ونقلت صحيفة “إلباييس” عن رودريغيز قوله إن قطاع السيارات الأوروبي يواجه تحديات كبيرة، ليس فقط من السياسات الحمائية الأمريكية، ولكن أيضًا من القدرة الإنتاجية الصينية الضخمة وانخفاض تكاليفها التشغيلية، مما يُشكل ضغطًا إضافيًا على الشركات الأوروبية. كما أشار إلى أن الواردات المغربية باتت تُشكل “تهديدًا متزايدًا”، حيث تستفيد الشركات الصينية من اتفاقيات التجارة الحرة التي تربط المغرب بالاتحاد الأوروبي.
إجراءات أوروبية لاحتواء المنافسة الصينية
ويأتي هذا الجدل في وقت قرر فيه الاتحاد الأوروبي فرض رسوم جمركية جديدة على السيارات الكهربائية الصينية، حيث وافق في أكتوبر الماضي على رفع الرسوم الجمركية من 10% إلى 45%، وهي خطوة تهدف إلى تحجيم النفوذ الاقتصادي الصيني في السوق الأوروبية، لكنها قد تدفع الشركات الصينية إلى البحث عن بدائل استثمارية خارج أراضيها، مثل المغرب.
وتشير تقارير إعلامية إلى أن هذا القرار قد يدفع بكين إلى تعزيز استثماراتها في المملكة، مستغلة المزايا الجغرافية والاتفاقيات التجارية التي تربط المغرب بأوروبا وأمريكا، مما قد يُحول البلاد إلى منصة تصدير رئيسية للسيارات الكهربائية الصينية نحو الأسواق الغربية.
المغرب.. الرابح الأكبر؟
يرى خبراء اقتصاديون أن المغرب قد يكون أحد أكبر المستفيدين من الصراع التجاري بين القوى العالمية، حيث نجح في استقطاب استثمارات ضخمة في قطاع السيارات الكهربائية.
وفي هذا السياق، قال ياسين عليا، أستاذ العلوم الاقتصادية، إن التقارب الاقتصادي بين المغرب والصين شهد تطورًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة، خاصة في مجال صناعة السيارات الكهربائية، حيث تسعى الرباط لاستقطاب استثمارات كبرى، في ظل توفرها على مؤهلات استراتيجية، من بينها احتياطيات هامة من المعادن المستخدمة في صناعة البطاريات، بالإضافة إلى التوجه المغربي نحو الطاقات النظيفة.
وأضاف عليا أن المغرب لا يُراهن على الصين وحدها في هذا المجال، بل يسعى أيضًا إلى تنويع شراكاته الاقتصادية مع فرنسا، ألمانيا، والولايات المتحدة، بما يضمن استقلالية قراراته الاقتصادية وعدم الارتهان لأي طرف بعينه.
المغرب.. بين الصين وأوروبا؟
يُدرك المغرب أن نجاحه في صناعة السيارات الكهربائية لا يمكن أن يعتمد على الصين فقط، ولذلك ينتهج سياسة توازن دبلوماسي واقتصادي، حيث يُحافظ على علاقاته القوية مع الشركات الأوروبية والأمريكية، دون أن يُغلق الباب أمام الاستثمارات الصينية.
وفي ظل تزايد الضغوط الأوروبية على الشركات الصينية، يُتوقع أن يُصبح المغرب نقطة محورية في سلاسل الإنتاج العالمية للسيارات الكهربائية، مستفيدًا من موقعه الجغرافي الاستراتيجي، واتفاقيات التجارة الحرة، والبنية التحتية المتطورة التي تجعله وجهة جاذبة للاستثمارات الدولية.