سناء البوعزاوي
من الأقوال الشائعة “إن أمة تلازمها الهواجس ويستبد بها القلق على مصيرها لا يمكنها أن تقدم نتاجا فكريا ذا قيمة، ومن الملاحظ في كل بقاع العالم ازدياد جرعة الخوف والقلق والتوتر في أنفس الأفراد في وقتنا الحالي، ما جعل انبثاق مرض نفسي وبقوة يسمى، “نوبات الهلع” الذي لم يَسْتَثْنِ مجتمعنا المغربي، خصوصا في زمن كورونا، حيث إن هذا الوباء العالمي شهد ارتفاعا في التهديد والخطر في العالم الخارجي والقلق المستمر، مما جعل عاطفة إنسانية وظيفية طبيعية تخرج من طبيعتها، فعوض أن يكون القلق بمثابة إنذار لعقلنا وجسمنا بالاستعداد، في أوقات معينة من حياة الإنسان؛ كالاستعداد للولادة بالنسبة إلى النساء أو الاستعداد لاجتياز مباراة أو خوض تجربة جديدة، أو الخوف من ركض كلب أو حيوان مفترس خلفك، وهو أمر طبيعي في نظام تكويننا، صار قلقا مزمنا، مستمرا، متطاولا على النفسية بشكل مرعب فأصبح الحديث عن نوبات الهلع يتصدر أمراض العصر، ويفتك بالصغير قبل الكبير والشاب قبل الكهل.
ومع أن الخبراء يقولون إن درجة معينة من القلق بشأن الوضع الوبائي الحالي هو أمر بديهي، حيث يواجه الكثيرون صعوبات مالية، بينما فقد آخرون أحبابهم، تجد فئة من الناس غمرتهم نوبات الهلع حتى صاروا يعانون من أمراض عضوية، تخطت الضيق الشديد في النفسية إلى سرعة في ضربات القلب، والضغط الدموي المرتفع باستمرار، والإحساس بالغثيان وآلام في المعدة، وكذا الشعور بالاختناق ويتخطاها إلى الإحساس بالاقتراب من الموت.
فاستحوذ التوتر والقلق على نفسية الفرد بجرعة أكبر من الطبيعي، تقود صاحبه إلى دوامة الأمراض النفسية العويصة التي تطارده كالشبح في حياته، فيصبح الشخص بعد تخطي نوبة الهلع الأولى يعيش في رعب، وفي انتظار نوبات الهلع الثانية والثالثة…، لأن في بعض الأحيان يصبح هذا المرض مزمنا إذا لم يتم اتخاذ تدابير وقائية وعلاجية، في آنه، وكما يعلم الجميع؛ الصحة النفسية تلعب دورا كبيرا في صحة الإنسان العامة إذا لم نقل إن الشق النفسي هو المسير الأكبر للشق الجسماني والعقلي، فإذا كان متصدعا مريضا، أثر لا محالة على الصحة الجسدية للإنسان ومحيطه ككل . و كما يقول المثل الشهير: “إذا عرف السبب بطل العجب”، فمحل الشاهد، أن اضطراب الهلع يبتدئ غالبا عند الإنسان في مرحلة المراهقة أو بداية النضوج، والإدراك بالأشياء المحيطة به، حيث يعتبر هذا المرض النفسي من الأمراض التي تأتي بغتة، دون إشارات أو علامات تحذيرية، حيث يأتي وقت من الأوقات تتولد كمية كبيرة، في قرارة الشخص، من الخوف والرعب وتتراوح بين 10 إلى 20 دقيقة وقد تطالها إلى ساعة كاملة، كما أن هذا المرض المخيف، غير معروف الأسباب لكن انطلاقا من بعض الدراسات، قد حصرنا بعضا من العوامل المحتملة، والمشتبه فيها التسبب في انبثاق هذا الاضطراب النفسي، منها عوامل اجتماعية وشخصية، كالإجهاد الشديد، والمزاج الذي يكون أكثر عرضة للمشاعر السلبية، ومن المحتمل كذلك أن تطرأ فجأة تغيرات في عمل الدماغ، ناهيك أيضا عن العوامل الوراثية أو ما يعرف بالجينات.
في زمننا هذا، أصبح من المهم على كل فرد أن يعي بخطورة هذا المصاب الجلل، وإسعافاته الأولية لتتعلم طرق التعامل معه سواء أكان للتخفيف عن نفسك أو عن الشخص المصاب.
حيث يقول المختصون في هذا المجال إن أفضل وأنجع طريقة لمواجهة شعورك بخطر أو حتى إحساسك بأنك تواجه الموت هي أن تحافظ على هدوئك وأن تكون مطمئنا وتأخذ نفسا عميقا، ومن المهم جدا أن يكون وجود أحد الأصدقاء أو العائلة إلى جانبك في نوبة الهلع، حيث يصبح الأمر حين ذلك مريحاً. فضلا عن التدرب على التنفس بعمق، وكذا ممارسة الرياضة بانتظام واتباع حمية غذائية صحية والتخفيف من استهلاك الكافيين والمشروبات التي تحتويها، على سبيل المثال لا الحصر؛ الشاي والقهوة والمشروبات الغازية… للحد من التوتر وأخيرا، تذكر دائما إذا أتتك النوبة حاول أن تشد تركيزك على شيء آخر محيط بك لتخفف على نفسيتك واضطرابك، والابتعاد عن الأشخاص السلبيين ومرافقة الناس الإيجابيين لأن كل شيء ينعكس عليك وتمتصه نفسيتك فالعلاج المعرفي السلوكي، يناشد دائما بتغيير الأفكار السلبية إلى أخرى إيجابية، لكن لا يجب التغافل عن العلاج الدوائي واستشارة أخصائيين نفسانيين لتنظيم مادة السيروتونين، التي تنقص في أنزيمات الدماغ والتي تؤدي إلى هذا الإضطراب. وكما عودنا قراءنا دائما نختم بمقولة “صحتك لا تقدر بثمن، فلا تسترخصها بالقلق والخوف والغضب، واعلم أنك المسيطر.. ولا تقل: لا أستطيع؛ فإن قلتها تحقق ما كنت تخشاه”.