بعد السقوط الفيزيائي الحر لقيس سعيد، رئيس تونس المنفرد بكل السلطات تحت مسمى الطوارئ لأكثر من سنة، واستقباله لابن بطوش، رئيس الجمهورية الافتراضية للبوليساريو بتعبير الصحفي التونسي الشهير الصافي سعيد، الذي كان مرشحا للرئاسة التونسية بدوره، بعد هذا السقوط نجد أن سؤالا ملحاحا يطرح نفسه: من يلعب في شمال إفريقيا؟ أو إن شئنا الدقة أكثر نقول: من يلعب بشمال إفريقيا؟
اللعب في المنطقة ليس وليد اليوم ولكنه قديم، مثل كل المناطق التي يمكن أن تشكل وحدتها أو تعاون دولها تهديدا لمصالح كثيرة في العالم، وما اختلاق مشكل الصحراء المغربية من قبل النظام العسكري في الجزائر إلا واحدة من قواعد إدامة التجزئة بالمنطقة قصد استمرار التحكم فيها وفي خيراتها، وحتى تبقى الثروات تصب في خزائن الفاعل الحقيقي وراء التفرقة.
نعرف أن قيس سعيد رئيس “على قد الحال” باعتباره ليس سياسيا وإنما أستاذ جامعي يقلد حكام الأغالبة بتونس، وجاء إلى الرئاسة بضربة حظ تسببت فيها أخطاء السياسيين بتونس ومحاولات تيار سياسي الهيمنة على المشهد السياسي، وانتخابه كان مفاجأة، وهؤلاء ينبغي التعامل معهم بحذر بالنظر لسرعة انقلابهم وتقلباتهم، وهو ما كان، فرغم ما قدمه المغرب لتونس كانت “كمشة” دنانير جزائرية قادرة على شرائه.
الجزائر التي لا تملك قرارها، والتي قيل لها ارفعي كمية الغاز فقررت رفعه، هي أيضا أداة وظيفية منذ زمن بعيد في يد قوى هدفها الاستمرار في استغلال ثروات المنطقة، وكانت، حسب رأينا، من الدول المقصودة بضرورة الخروج من خطاب الغموض والمنطقة الرمادية فيما يخص قضية وحدتنا الترابية وتحديد موقف من مقترح الحكم الذاتي.
ما زالت الجزائر، التي تحاول لعب دور الأخ الأكبر في المنطقة، تعتبر تونس طرفها الخلفي، الذي ينبغي أن تعبث به، وسبق لها أن اقتطعت أجزاء من هذا البلد إلى يوم الناس هذا، غير أن زعماء تونس لم يخضعوا لسطوة العسكر، إلا زمن السقوط الحر لقيس سعيد، ونسيت الجزائر أنها لا يمكن أن تلعب دور الأخ الأكبر لأنها تمثل “المجرم المدمن على الكحول” برأس الدرب، ولهذا يتفاداه إخوانه العاقلون.
تقول العرب قديما “وافق شن طبقة”، والمغاربة يقولون “الهيشة تقلب على ختها في البحر سبعين عام”. فالنظام العسكري الجزائري ذو الواجهة المدنية، ما زال متمسكا بالذاكرة الجماعية للجيوش التي استخدمتها فرنسا في قمع الشعوب وإخضاعها، ولم يجد في المنطقة من يوافقه هواه سوى رئيس انقلابي.
غير أننا على يقين أن ما يجري في المنطقة أكبر من الجزائر ودنانيرها المقدمة لقيس سعيد، لأن الأمر يتعلق بلعبة إدامة التجزئة، التي هي مشروع تعتبر فيه الجزائر مجرد أداة وظيفية، وهي لعبة تجري في الإقليم بعناصر محلية لكن الراعي أكبر من ذلك، والمغرب فهم قبل غيره الموجة الجديدة من محاولات الإخضاع عبر القوة الناعمة فواجهها بقوة ناعمة أيضا بتنويع الشركاء والبحث عن حلفاء.