أبدى المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، المؤسسة الاستشارية المكلفة بتقييم السياسات التربوية في المغرب، ملاحظات نقدية قوية تجاه مشروع القانون الجديد المتعلق بالتعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، معتبراً أنه يعاني من “غياب رؤية واضحة”، وضعف في الانسجام الهيكلي، ما يجعله “عاجزاً عن إحداث التحول المنشود” في المنظومة.
وفي رأي مفصل صدر مؤخراً، أكد المجلس أن مشروع القانون، رغم تناوله لعدة جوانب تنظيمية ومؤسساتية، لا يعكس بشكل كافٍ التوجهات الكبرى للسياسة العمومية في مجال التعليم العالي، ويفتقر إلى تصور استراتيجي متكامل يأخذ بعين الاعتبار التحولات المتسارعة على المستويين الوطني والدولي.
وأشار المجلس إلى أن غياب رؤية معلنة ومتكاملة داخل نص المشروع يصعب من عملية فهم وتأويل مضامينه، سواء من قبل الفاعلين المؤسساتيين أو المجتمع الأكاديمي، الأمر الذي قد يفتح الباب أمام قراءات متباينة، ويُضعف الانسجام القانوني والتشغيلي للمنظومة.
غموض في التوجهات وتشتت في البناء
وحذّر المجلس من أن النص بصيغته الحالية “لا يرتقي إلى مستوى تأسيس رؤية استراتيجية بعيدة المدى”، مشدداً على أن بنيته العامة اتسمت بطابع “محافظ”، يكرّس الواقع القائم بدل السعي لتغييره. كما أشار إلى أن النص لم يقدم نموذجًا متقدماً لإعادة هيكلة التعليم العالي العمومي والخصوصي، ولا يُرسّخ استقلالية حقيقية للجامعات.
وفي ما يخص الجانب البنيوي، وجه المجلس ملاحظات تقنية إلى هيكلة المشروع، واصفاً إياها بـ”غير المتوازنة”، حيث يتضمن النص عشرة أجزاء تفتقر إلى تبويب منطقي موحّد، مما أدى إلى تداخل في المحاور وتكرار في المضامين. كما انتقد ديباجة المشروع، التي وصفها بأنها “إعلان نوايا بلا إلزام قانوني”، داعيًا إلى اعتماد ديباجة القانون الإطار كمرجعية أوضح وأشمل.
مهام غائبة وتحديات معلقة
وفي سياق متصل، اعتبر المجلس أن مشروع القانون أغفل التنصيص بشكل واضح على بعض المهام المحورية لمنظومة التعليم العالي، مثل تطوير مهارات الطلبة، وتعزيز انفتاحهم الشخصي والفكري، ونشر المعرفة العلمية والتقنية في المجتمع، بالإضافة إلى تعزيز دور الجامعة كمحرك للتنمية الثقافية والاقتصادية.
ودعا المجلس إلى مراجعة الإطار القانوني المنظم لفروع الجامعات الأجنبية في المغرب، مبرزًا أهمية احترام الاتفاقيات الثنائية والتمييز بين حالات الشراكة المباشرة والمبادرات الخاصة، بهدف ضمان التوازن بين الانفتاح الدولي والسيادة التربوية.
غياب رؤية للتمويل والاستقلالية
وشدد التقرير على أن المشروع لا يقدّم تصورًا متماسكًا لاستقلالية الجامعات، ولا يعرض آلية واضحة لتمويل البحث العلمي. كما لاحظ المجلس غياب مخطط متعدد السنوات للإصلاح، وهو ما اعتبره نقطة ضعف أساسية، في ظل إلزامية هذا المخطط بموجب القانون الإطار، وانتقد غياب آجال تنفيذ واضحة، مما يحد من القدرة على التتبع والتقييم.
وفي الختام، شدد المجلس الأعلى للتربية والتكوين على أن أي إصلاح حقيقي للتعليم العالي ينبغي أن يُبنى على أسس استراتيجية واضحة، تستند إلى رؤية استباقية تضع الطالب في قلب الاهتمام، وتعزز من مكانة الجامعة كمؤسسة منتجة للمعرفة ومساهمة في التنمية، داعيًا إلى مراجعة شاملة وجذرية لمشروع القانون الحالي.