دخلت العلاقات الفرنسية-الجزائرية مرحلة جديدة من التوتر، مع إعلان باريس عن إجراءات صارمة تستهدف ترحيل مهاجرين جزائريين تعتبرهم السلطات الفرنسية “خطراً على الأمن العام”، في خطوة تعكس تصاعد الجدل حول ملف الهجرة غير النظامية والتحديات الأمنية التي تواجهها فرنسا.
وكشف وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، في مقابلة مع قناة BFMTV-RMC، عن إعداد “قائمة سوداء” تضم مئات الجزائريين الذين ترى باريس أنهم يشكلون تهديداً أمنياً، مشيراً إلى أن هذه القائمة ستُسلَّم إلى السلطات الجزائرية خلال الأسابيع المقبلة. وأوضح أن المستهدفين ليسوا جميعهم متورطين في أنشطة إرهابية، بل يشملون أيضاً أفراداً مسجلين ضمن قوائم التطرف أو من المتورطين في أعمال تمس بالنظام العام.
هجوم مولوز يعيد ملف الهجرة إلى الواجهة
تأتي هذه التطورات في أعقاب الهجوم الذي وقع في مدينة مولوز يوم 22 فبراير، والذي نفذه مهاجر جزائري غير نظامي. وأكد روتايو أن هذا الحادث دفع الحكومة إلى تبني نهج أكثر صرامة، قائلاً: “لن ننتظر وقوع مأساة أخرى حتى نتحرك، علينا اتخاذ كل التدابير اللازمة لمنع تكرار مثل هذه الحوادث”.
وأثار هذا الموقف ردود فعل متباينة داخل الأوساط السياسية الفرنسية، حيث يرى بعض المراقبين أن باريس تسعى لاستخدام ملف الهجرة كورقة ضغط سياسي على الجزائر، في حين يرى آخرون أن فرنسا تتعامل مع القضية بواقعية، خاصة في ظل تزايد المخاوف الأمنية.
ملف الهجرة.. ورقة ضغط بين باريس والجزائر
يُعد ملف ترحيل المهاجرين من بين أكثر القضايا الخلافية بين البلدين، إذ لطالما سعت باريس إلى إقناع الجزائر باستقبال مواطنيها المرحّلين، لكن الرد الجزائري ظل متحفظاً أو مشروطاً. ففي الوقت الذي تعتبر فيه فرنسا أن الجزائر مُلزمة قانونياً باستعادة رعاياها غير النظاميين، ترفض الجزائر بعض حالات الترحيل، خاصة عندما يتعلق الأمر بأشخاص فقدوا روابطهم مع بلدهم الأصلي.
وسبق أن استخدمت فرنسا سياسة تقليص التأشيرات كورقة ضغط على الجزائر، ففي عام 2021، قررت باريس خفض عدد التأشيرات الممنوحة للجزائريين بحجة “عدم تعاون الجزائر في استقبال مرحّليها”، وهي خطوة أثارت استياءً واسعاً في الجزائر، التي اعتبرتها ابتزازاً سياسياً.
تصعيد دبلوماسي محتمل
في ظل استمرار الخلاف حول ملف الترحيل، لوّح رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو باتخاذ إجراءات أكثر صرامة، محذراً من أن رفض الجزائر التعاون قد يدفع باريس إلى إعادة النظر في الاتفاقيات الثنائية، قائلاً: “إذا لم يكن هناك رد واضح، فليس لدينا خيار سوى إلغاء الاتفاقيات الثنائية”.
وتشير هذه التصريحات إلى أن الأزمة مرشحة لمزيد من التصعيد، خاصة في ظل تعقيدات الملف الأمني والسياسي بين البلدين.
خلافات تتجاوز الهجرة
لا تقتصر التوترات بين فرنسا والجزائر على ملف المهاجرين، بل تمتد إلى قضايا استراتيجية أخرى، من بينها استبعاد الشركات الفرنسية من المشاريع الاقتصادية الجزائرية، وتقليص حضور اللغة الفرنسية في المؤسسات التعليمية لصالح الإنجليزية، إضافة إلى إعادة الجزائر العمل بمقطع من نشيدها الوطني يحمل مضامين معادية لفرنسا.
وفي هذا السياق، أرسل وزير الداخلية الفرنسي رسالة واضحة، قائلاً: “لا يمكن لأي آلام تاريخية، وأعلم أنها عميقة، أن تعطي الحق في إهانة بلادي، فرنسا”، في إشارة إلى إرث الاستعمار الفرنسي في الجزائر، الذي لا يزال يلقي بظلاله على العلاقات الثنائية بين البلدين.
سيناريوهات المرحلة المقبلة
مع تمسك كل طرف بمواقفه، يظل مستقبل العلاقات الفرنسية-الجزائرية مرهوناً بمدى قدرة الطرفين على تجاوز الخلافات القائمة. وبينما تصر باريس على تشديد إجراءاتها الأمنية، تبقى الجزائر حريصة على الحفاظ على موقفها المستقل، ما يجعل من الصعب التوصل إلى حلول سريعة لهذه الأزمة المتجددة.