أقرت الحكومة دعما لمهنيي النقل، سواء أصحاب سيارات الأجرة بكل أصنافها، أو أصحاب الشاحنات والنقل السياحي وغيرها، وحددت لكل فئة مبلغا معينا، ولن ندخل في تفاصيله، ونعبر بداية أننا مع دعم أي فئة متضررة من المجتمع، لكن وفق معايير محددة حتى لا يتم استغلال الدعم لأهداف انتخابية بعيدة المدى، لكن إقرارنا بضرورة دعم كل الفئات لا يمكن أن يصم آذاننا ويعمي عيوننا عن حقائق أخرى يخفيها هذا الدعم.
أصل الدعم ثابت لكن مصدره فيه شك وارتياب. صحيح أن ارتفاع أسعار المحروقات أثر سلبا على المهنيين وكبدهم خسائر فادحة، لكن مقابل ذلك أن تجار المحروقات حققوا أرباحا طائلة وراء ذلك. الملايير مؤكدة بالدرهم وذكرها كعدمه إن لم يتم تحقيق المعادلة القاضية بأن يكون الاقتصاد وطنيا. فليس الاقتصاد الوطني من يتخلى عن البلاد وقت الأزمة.
نعرف أن عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، هو أيضا من كبار محتكري التجارة في المحروقات بنسبة تصل إلى أربعين في المائة، لم يبق إلا القليل على النصف. شكليا هو خارج الهولدينغ العائلي لكن عمليا هو صاحب هذه الشركات. وأرباحه من وراء أزمة المحروقات كبيرة جدا، وهو من الناس الذين يحبون الأزمة لأن شعارهم “رب ضارة نافعة” و”مصائب قوم عند قوم فوائد”.
إذا كانت شركات المحروقات حققت في ظرف ست سنوات 48 مليار درهم، فهذا يعني أنها لم تتأثر بأزمة مصفاة لاسامير ولم تتأثر بأزمة كورونا التي امتدت لمدة سنتين، ولم تتأثر بكثير من الأزمات الدولية، التي لها علاقة بأسعار المحروقات، بل زادت من أرباحها وضاعفتها بشكل كبير، فلا يمكن اليوم تحميل المواطن تبعات أزمة ظرفية.
الحكومة تعتبر المواطنين مجرد زبناء لديها، ناسية أن الأموال التي سيتم صرفها لمهنيي النقل مستخرجة من المال العام أي إنها مستخلصة من جيوب المواطنين. كيف يؤدي المواطن مبالغ مالية كي يسد العجز لدى المهنيين ويصب هذه الأموال في أرباح الشركات ومنها شركات رئيس الحكومة؟
الحل ليس بهذا الشكل، لأن المعادلة هنا غير مستوية، إذ سندخل في معاملات جديدة من قبيل هل سينعكس هذا الدعم على الأسعار أم لا؟ وكيف ستتم مراقبتها؟ ولكن الأهم من كل ذلك فإن الحل المجدي والنافع هو أن تعمد الحكومة والشركات المتاجرة في المحروقات إلى اتخاذ إجراءات كثيرة قادرة على الحد من رفع الأسعار، وحينها يستفيد المهني وغير المهني، لأن الضرر أصاب أيضا غير المهنيين من مستعملي السيارات.
الحل يكمن في تخفيض ضرائب الاستيراد على هذه المواد، وتقليص هامش الربح إلى الأدنى، وحينها سيكون الجميع مساهما في خدمة الوطن، لا أن يقدم المواطن من خلال المالية العامة الدعم للمهنيين في وقت ستعود هذه الأموال للشركات الموزعة للمحروقات، وسنكون هنا أمام معادلة غير وطنية تستنزف الخزينة في وقت تستفيد الشركات وتفقد معنى الاقتصاد الوطني.