مر الوقت الكافي ليستوعب من يريد أن يستوعب قصة “ريع الدراسات” ليتخذ القرار المناسب، بخصوص هذه القضية المثيرة للجدل، والتي من شأنها تعميق الهوة بين المواطنين والأحزاب السياسية بل بين المواطنين والسياسة عموما، حيث تتضرب الكتلة الناخبة من مثل هذه التصرفات، وكانت الضجة كبيرة، لكن كما يقال “جعجعة بلا طحين”، لأن الخلاصة لا تتعدى مجموعة من الانتقادات هنا وهناك دون آثار عملية.
ينبغي الإشارة إلى أن “ريع الدراسات” مقتطع من المال العام، واحتراما للمال العام ينبغي توضيح تفاصيل القضية، وليس مجديا ما ذهب إليه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية من كون القضية لا تعني من كان خارج الحزب، أو لا يعرف حجم التضحيات التي قدمها مناضلوه، وهي تضحيات معتبرة ومقدرة وهي ملك للمغاربة والحزب يحصل على الدعم العمومي ويتأهب ليسير الشأن العام، وبالتالي من حق الجميع المطالبة بتوضيح القضية.
اليوم دخلت جمعيات حماية المال على خط الفضيحة. ليس من حق أحد اتهام آخر إلا بوجود دلائل وحجج دامغة، لكن ما وقع ورد في تقرير لقضاة المجلس الأعلى للحسابات، وهو مؤسسة دستورية من مؤسسات الحكامة، لكنها ليست أداة حكم، لهذا تم التوجه للنيابة العامة للتدقيق في خلفيات فضيحة “ريع الدراسات”، وصولا إلى المطالبة بالاستماع لمكاتب الدراسات، التي أنجزت ما سمي دراسات ومنها مكتب دراسات في ملكية نجل إدريس لشكر الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، الذي ناهيك عن “ريع القرابة” شكلت الملاحظة التي وجهها المجلس ضربة لعنصر الجدية إذ تحدث عن “مقالات” وليست دراسات.
فتح تحقيق قضائي في هذه الفضيحة من شأنه ان يعيد الثقة للمواطن، فليس بالضرورة أن ما سيصدر عن القضاء هو ما ينتظره كثيرون، فقد يخلص التحقيق إلى أن نية الجرم غير موجودة، ولكن الأهم في العملية هو أن يطمئن قلب الجميع بأن الدولة “قائمة بشغلها”، ومن شأن ذلك أيضا أن يردع كل من سولت له نفسه أن يمد يده على المال العام.
وصول الشكايات إلى النيابة العامة أمر صحي وجدي، ولا يمكن اعتباره خارج “الصواب” السياسي، بل هو عين الحق والحقيقة، وهو صلب الموضوع وأسه الكبير، الذي به تقوم الدول، أي أن يصبح المجتمع مراقبا لسلوك من يقوم بتدبير الشأن العام، وحاميا لصرف المال العام في أوجهه الحقيقية.
صرف المال بطريقة ريعية قاتل للبلاد ويمكن أن يخلق سلوكات خطيرة، فكيف يمكن لحزب سياسي طبّع مع “الريع” و”ريع الدراسات” وغيرها أن يقوم بدوره بمراقبة عمل الحكومة إن كان في المعارضة، حيث ستواجهه الحكومة بلازمة “شطّب باب دارك”، وإن كان في الحكومة هل سيكون حريصا على تدبير نقي ومعقول وشفاف أم سيلهف المال العام مثلما لهفه وهو خارج الحكومة؟