أفاد أنس سعدون قاض مكلف بمهمة في ديوان رئيسة المجلس الوطني لحقوق الانسان في مداخلته لموضوع “كوفيد 19 وسؤال المحاكمة العادلة”، خلال ندوة وطنية في موضوع” دولة الحق والقانون في ظل جائحة كوفيد 19″، ” أن المؤسسة القضائية ببلادنا اتخذت على غرار باقي بلدان العالم عدة اجراءات تنظيمية لمواجهة خطر جائحة كورونا تميزت بالتدرج بحسب ما تقتضيه الضرورة وتطور الوضعية الوبائية، ومن بين جملة هذه الإجراءات المعلن عنها الدعوة إلى تخفيف توافد مرتفقي العدالة على المحاكم ، وتعليق الجلسات العادية والإبقاء على جلسات القضايا المستعجلة، وقضايا المعتقلين والأحداث، والاستعانة بالمحاكمة عن بُعد، باعتبارها نظاما يستخدم تكنولوجيا التواصل بين المؤسسات السجنية والقضاة والمحامين في مختلف المحاكم، وهو الاجراء المتخذ لضمان تأمين سلامة مختلف الأطراف المعنية بالمحاكمة، من جهة، وضمان السير العادي للعدالة والبت في القضايا المعروضة على أنظار القضاء، من جهة أخرى بشكل يؤمن استمرارية المرفق القضائي.
وأضاف أن تطبيق المحاكمة عن بعد أفرز نتائج مهمة حيث ساهم في تجنب تراكم القضايا في المادة الجنائية والجنحية نظرا لخصوصيتها لكونها تمس حرية الأفراد، كما أسهم في تفادي الإشكالات التي يطرحها التأجيل المستمر الى آجال غير محددة وتحقيق أحد أهم شروط المحاكمة العادلة، والمتمثلة أساسا في المحاكمة داخل أجل معقول.، لكنه مع ذلك طرح عدة تحديات لا يمكن تجاهلها من قبيل تحدي الشرعية الإجرائية نظرا لغياب نص قانوني يتيح إمكانية المحاكمة عن بعد رغم مرور سنتين على اعتمادها، وتحدي احترام مبدأ الحضورية والتواجهية والشفهية والعلنية والمساواة في الأسلحة وحقوق الدفاع، وهي تحديات واجهتها المحاكم بتقييد اعمال المحاكمة عن بعد بموافقة المتهم وتنازله عن الحضور. وأضاف أن الاحصائيات الدورية التي تقدم حول المحاكمات بعد لا تتيح معرفة الإجراءات المتخذة في حق الأشخاص الذين يرفضون المحاكمة عن بعد لضمان محاكمتهم داخل الأجل المعقول، كما أن هذه الاحصائيات لا تتضمن بعد النوع الاجتماعي مشيرا في هذا السياق الى توصيات منظمات دولية تؤكد على ضرورة ايلاء اعتبار خاص لأوضاع النساء والأطفال والأشخاص الأكبر سنا، والأشخاص ذوي الإعاقة، وغيرهم في سياق المحاكمات عن بعد خلال جائحة كورونا مع الإقرار بالطبيعة المستعجلة للطلبات المقدمة الى المحكمة بشأن هذه الفئات الذين يواجهون أو يتعرضون لمخاطر متزايدة من العنف، أو الإساءة أو الإهمال مقارنة بمجموعات أخرى، داعيا في نهاية مداخلته الى التسريع بتقنين المحاكمات عن بعد بما يكفل احترام مبدأ الشرعية الإجرائية، وتجسيدها لمبادئ الضرورة والتناسب والشرعية وسيادة القانون والتوازن بين الأطراف.