الاتحاد الأوروبي يتوفر على تصنيفات دقيقة، وهي تصنيفات ليست جزافية ولا مجال فيها للمجاملات، لأنها أدوات للتعامل مع الدول من خارج الاتحاد، وهكذا صنف المغرب بأنه بلد انتقل من المرحلة الرمادية ولم يعد جنة ضريبية. مفهوم الجنات الضريبية هي البلدان التي تعتبر ملاذا للتهرب الضريبي من قبل الشركات الكبرى، بمعنى أنها بلدان لا يسود فيها القانون والتجارة فيها فوضى وهي أمكنة يهابها الرأسمال الاستثماري لأنه لا يأمن بقاءه في ظل بلد تسوده الفوضى الضريبية.
مجلس الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، الذي يضم 27 وزيرا أوروبيا للشؤون الخارجية، اعتمد خلاصاته حول الدول والمناطق غير المتعاونة في المجال الضريبي، وشطب المغرب من الملحق الثاني لقائمة الدول التي تنتظر الخضوع لتقييم الاتحاد الأوروبي مدى التزامها بالمعايير الأوروبية في المجال الضريبي، وتعد الخطوة الأخيرة والنهائية للإجراء الذي يلي الضوء الأخضر لسفراء الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وتؤكد أن المملكة خرجت، بشكل نهائي، من القائمة الرمادية للاتحاد الأوروبي بالتأكيد، وانتقلت إلى القائمة الخضراء.
هكذا استقبل المغرب هذا القرار. لكن ماذا يعني أن يخرج المغرب من المنطقة الرمادية؟ ما معنى أن المغرب ليس جنة ضريبية؟
هذا يعني أن المغرب منخرط في المنظومة الدولية، على مستوى الحقوق والحريات، التي هي أرضية للشغل وفق القوانين، وعلى مستوى التدابير القانونية، ويعني أن المغرب عضو فاعل ومتفاعل مع المنظومة القانونية الدولية وخصوصا المنظومة القانونية للاتحاد الأوروبي، الذي منح المغرب صفة الشريك الاستراتيجي وهي أول بلد يحصل عليها من خارج أوروبا.
هذا الوضع تطلب مجهودا كبيرا، حيث قام المغرب على المستوى الضريبي بالعديد من الإصلاحات، تتماشى مع شروط الاتحاد الأوروبي والمعايير الدولية، وتمت تزكية هذا التوجه بالتعاون الإيجابي بين السلطات المغربية ونظيرتها الأوروبية في هذا المجال.
لقد استحق المغرب السحب من اللائحة الرمادية والخروج من تصنيف الجنات الضريبية، لأنه كان من بين الدول التي انخرطت في ملاءمة أنظمتها الضريبية مع معايير الحكامة الجيدة، وذلك في إطار تعزيز الشفافية الضريبية على المستوى العالمي، وقد تمت المصادقة على عدد من النصوص التشريعية، أخذا بالاعتبار طبيعة كل نظام ضريبي، وذلك في إطار مسلسل من الإصلاحات، التي تم إطلاقها منذ قانون المالية لعام 2018.
منذ أن تبنى المغرب مسلسل الإصلاح الضريبي على مستوى التشريعات والقوانين، نجح المغرب في إقناع منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، وشركائه الأوروبيين بواقعية رؤيته، المتجسدة في الالتزام الدقيق بمعايير الحكامة الجيدة في المجال الضريبي، عبر العديد من المسارات المرتكزة على الشفافية والتدرج في تبني هذه المشاريع.
لا ينبغي أن ننسى أن المغرب استطاع تركيز مؤسسات التحكيم الدولي هنا، وهي عبارة عن مؤسسات خاصة تقوم بدور التحكيم في النزاعات المالية الدولية مما جعل المستثمر الأجنبي مطمئنا وهو يشتغل بالمغرب.
كل هذه العوامل جعلت المغرب في وضع الملاءمة مع القوانين الدولية في المجال الضريبي ولهذا لم يعد بتاتا جنة ضريبية بل إنه اليوم جهنم التهرب الضريبي.