رغم أن المنتخب المغربي خرج منتصرًا على بنين بهدف أيوب الكعبي في آخر مواجهة إعدادية، إلا أن الأداء الباهت ترك طعمًا مريرًا في حلق الجمهور المغربي.
أن لغة الأرقام تبعث على الاطمئنان (فوز على تونس وبنين)، لكن كرة القدم ليست مجرد نتائج؛ إنها مشروع وفلسفة وأداء يليق بطموحات بلد بات يطمح للفوز بلقب أمم إفريقيا على أرضه بعد ستة أشهر.
من النتائج إلى الأداء: جدلية حقيقية
بعيدًا عن لغة الشعارات، بدا المنتخب الوطني في هذه المرحلة أشبه بفريق يُسجل اسمه في قائمة المنتصرين دون أن يترك أي بصمة فنية تُطمئن الجمهور.
صحيح أن وليد الركراكي حمل على كتفيه عبء التحدي في قطر وحقق إنجازًا تاريخيًا، إلا أن الأجواء الحالية مختلفة تمامًا؛ فالفريق اليوم بحاجة إلى مشروع فني يواكب طموح تنظيم “كان 2025” وليس إلى مجرد التذكير بسلسلة انتصارات لم تُختبر أمام خصوم كبار أو في ظروف تنافسية حقيقية.
ثقة الركراكي أم تهوره؟
في تصريحاته الأخيرة، بدا الركراكي متحصنًا بخطاب “الأنا”، ملوحًا بأرقامه في مواجهة الانتقادات: “لا يوجد مدرب قادر على التتويج بكأس إفريقيا غيري”.
هذا الخطاب، الذي يراهن على الكاريزما الشخصية بدلًا من خطاب المؤسسة، يعكس أزمة أعمق من مجرد مباراة متعثرة.
إنه يعكس صراعًا بين منطق المنظومة الذي يحكم كرة القدم الحديثة، ومنطق الفرد الذي يختزل كل شيء في ذاته.
أين هي البدائل الفنية؟
المقلق أكثر أن الناخب الوطني لم يُظهر مرونة في التعامل مع الأزمات.
فغياب نايف أكرد، مثلًا، كشف هشاشة المنظومة الدفاعية، رغم محاولات ترقيعها بأسماء مثل أدم ماسينا وجواد اليميق.
حتى العناصر الشابة (كعبد الكبير عبقار) بقيت رهينة الدكة، وكأن الركراكي يخشى التجريب أو يفضل المجازفة بنفس الأسماء التي صنعت له الأمجاد في قطر، حتى وإن تراجع مستواها.
والأخطر أن هذه السياسة قد تدفع المنتخب ثمنًا باهظًا في كأس إفريقيا، حيث لا مجال للمجاملات ولا مكان للنوستالجيا.
قرار التغيير: بين الشجاعة والحسابات
الشارع الرياضي المغربي اليوم منقسم: بين من يطالب بإقالة الركراكي وتجديد الدماء الفنية قبل الكان، ومن يرى أن تغييره سيكون مخاطرة قبل بطولة مصيرية.
لكن تجارب الجامعة الملكية السابقة (إقالة حاليلوزيتش قبل المونديال) علمتنا أن القرار الجريء في وقته قد يخلق “الصدمة الإيجابية” التي يحتاجها المنتخب.
فهل يتكرر السيناريو هذه المرة؟ وهل يكون اسم طارق السكتيوي، الذي أثبت كفاءته مع المنتخب الأولمبي، هو الرجل المناسب للمرحلة المقبلة؟
ما بين المشروع والفردانية
اليوم، ليس المهم أن يفوز المنتخب في المباريات الودية، بل أن يظهر كمشروع متكامل يليق بحلم ملايين المغاربة.
كرة القدم ليست مجرد قائمة أساسية أو ندوة صحافية، بل هي فلسفة وثقافة وانضباط، وقبل كل شيء فريق يحترم تطلعات الجمهور.
الركراكي قد يكون بطلًا في قطر، لكنه يبدو اليوم حائرًا بين المجد الماضي وضغوط الحاضر. وبين الجامعة والرأي العام، يبقى الأهم: منتخب يشبهنا ويليق بنا.