أصدرت المندوبية السامية للتخطيط مؤخرًا مذكرة تفصيلية تسلط الضوء على أهم نتائج البحث الوطني حول الوحدات الإنتاجية غير المنظمة للفترة 2023-2024، كاشفةً عن أرقام ومعطيات دقيقة ترسم صورة محدثة عن واقع الاقتصاد غير المهيكل في المغرب، والذي لا يزال يشكل جزءًا هامًا من النسيج الاقتصادي الوطني رغم التغيرات الهيكلية التي يعرفها.
و بلغت نسبة التشغيل في القطاع غير المهيكل 33,1% من إجمالي مناصب الشغل غير الفلاحية، حيث انتقل عدد العاملين فيه من 2,37 مليون سنة 2014 إلى 2,53 مليون سنة 2023، أي بإحداث حوالي 157 ألف منصب شغل إضافي خلال أقل من عقد. وعلى الرغم من هذا النمو، فقد شهد توزيع العمالة حسب القطاعات تغييرات لافتة، إذ تراجعت حصة القطاع غير المنظم من العمالة في كل من الصناعة والخدمات، مقابل ارتفاع ملحوظ في قطاعي التجارة والبناء والأشغال العمومية.
سجل القطاع غير المهيكل قيمة مضافة إجمالية بلغت 138,97 مليار درهم سنة 2023، مقارنة بـ103,34 مليار درهم سنة 2014، وهو ما يعكس معدل نمو سنوي في حدود 3,06%. غير أن مساهمته في القيمة المضافة الوطنية (باستثناء الفلاحة والإدارة العمومية) شهدت تراجعًا واضحًا، منتقلة من 16,6% سنة 2014 إلى 13,6% سنة 2023، ما يشير إلى محدودية أثره النسبي في الاقتصاد الرسمي.
ويُظهر توزيع القيمة المضافة داخل القطاع تفاوتات كبيرة؛ إذ تستحوذ نسبة 20% من الوحدات الإنتاجية الأكثر إنتاجية على نحو 65,4% من إجمالي القيمة المضافة، ما يعكس تركّز الإنتاج والفعالية الاقتصادية في شريحة ضيقة من الفاعلين.
بلغ متوسط إنتاجية كل نشيط مشتغل في القطاع غير المنظم نحو 54.930 درهمًا سنويًا، إلا أن هذا المعدل يختلف باختلاف الأنشطة. ففي حين تصل الإنتاجية إلى 75.707 دراهم في قطاع الصناعة و66.199 درهمًا في قطاع البناء، فإنها تنخفض إلى حوالي 48.368 درهمًا في التجارة و48.727 درهمًا في الخدمات، ما يعكس تفاوتًا في الكفاءة الاقتصادية بين القطاعات.
انتقل رقم المعاملات السنوي للقطاع من 409,4 مليار درهم سنة 2014 إلى 526,9 مليار درهم سنة 2023، محققًا بذلك زيادة قدرها 28,7%. ورغم ذلك، يبقى معدل النمو السنوي ضعيفًا نسبيًا، إذ لم يتجاوز 2,6%. وبلغ إنتاج القطاع سنة 2023 ما مجموعه 226,3 مليار درهم، بنسبة نمو إجمالية بلغت 22,3% مقارنة بسنة 2014. ونتيجة لذلك، تراجعت مساهمة هذا القطاع في الإنتاج الوطني (باستثناء الفلاحة والإدارة العمومية) من 15% سنة 2014 إلى 10,9% سنة 2023.
و يرتكز التشغيل في القطاع غير المنظم أساسًا في قطاع التجارة بنسبة 44,1%، تليه الخدمات بـ28,7%، ثم الصناعة بـ15% وأخيرًا البناء والأشغال العمومية بـ12,2%. جغرافيًا، تتمركز أنشطة هذا القطاع أساسًا في الوسط الحضري بنسبة 77,6%. وتتصدر جهة الدار البيضاء–سطات التوزيع الجهوي بـ23,2% من وحداته، تليها جهة مراكش–آسفي بنسبة 14%، ثم جهة الرباط–سلا–القنيطرة بـ12,9%.
و رغم استمرار هيمنة قطاع التجارة على نشاط القطاع غير المهيكل، فإن حصته من الإنتاج تراجعت من 34,7% سنة 2014 إلى 30% سنة 2023. في المقابل، ارتفعت مساهمة قطاع الخدمات من 18,6% إلى 24%. أما قطاع البناء فقد عرف استقرارًا في مساهمته بحوالي 18,4%، بينما تراجعت حصة قطاع الصناعة من 28,6% إلى 27,7%.
وعند التمعن في مكونات الصناعة، يبرز تطور كبير في قطاع الصناعات الغذائية الذي ارتفعت مساهمته إلى 49,2% سنة 2023 مقابل 36,2% سنة 2014. في المقابل، تراجعت مساهمة قطاع النسيج والملابس من 27,7% إلى 16%. أما الخدمات، فتتركز أساسًا في أنشطة النقل (37,2%) والمطاعم والفنادق (29,4%). وفي قطاع التجارة، تشكل تجارة التقسيط النسبة الأكبر بـ63,9%. كما ارتفعت مساهمة أنشطة الأشغال المتممة للمباني داخل قطاع البناء إلى 57,1%.
تشير بيانات المذكرة إلى تزايد الاعتماد المتبادل بين القطاع غير المهيكل والقطاع المنظم. فعلى الرغم من أن 57% من حاجيات الوحدات غير المنظمة لا تزال تأتي من داخل القطاع نفسه، إلا أن هذه النسبة تراجعت بشكل لافت مقارنة بسنة 2014 التي بلغت فيها 70,9%. بالمقابل، ارتفعت نسبة التموين من القطاع المنظم من 18,2% إلى 33,7% خلال الفترة ذاتها، ما يعكس نوعًا من التكامل التدريجي بين القطاعين.
يبقى الاستهلاك الأسري هو الوجهة الرئيسية لإنتاج القطاع غير المهيكل، إذ يُوجّه إليه حوالي 79,5% من الإنتاج سنة 2023، مقابل 77,8% سنة 2014. ورغم ضعفها، فقد سجلت المبيعات الموجهة للقطاع المنظم تحسنًا ملحوظًا، إذ ارتفعت من 0,5% سنة 2014 إلى 2,4% سنة 2023. في المقابل، تراجعت المبيعات الموجهة نحو وحدات القطاع غير المنظم من 21,3% إلى 17,7%.
و تعكس المعطيات الحديثة حول القطاع غير المهيكل في المغرب استمرار أهميته كرافد للتشغيل والدخل، خاصة في الأوساط الحضرية، إلا أن مساهمته الاقتصادية تبقى محدودة وتتراجع تدريجيًا أمام تقدم القطاع المنظم. ورغم بعض المؤشرات الإيجابية، كتزايد الترابط بين القطاعين وتحسن بعض مؤشرات الإنتاجية، إلا أن التحديات البنيوية المتمثلة في التفاوت الإنتاجي، وانخفاض المردودية، وغياب الحماية الاجتماعية، تظل قائمة، مما يستدعي مقاربات أكثر شمولية وجرأة لإدماجه التدريجي ضمن النسيج الاقتصادي المنظم.