تسير أشغال محطة تحلية مياه البحر شمال مدينة الداخلة بوتيرة متسارعة، حيث بلغت نسبة الإنجاز الشاملة حوالي 75 في المائة إلى غاية 21 ماي 2025، في حين تم بدء تشغيل مزرعة الرياح المخصصة لتزويد المحطة بالطاقة النظيفة.
هذا المشروع، الذي وُصف بأنه من أضخم الأوراش الاستراتيجية في جهة الداخلة وادي الذهب، يُعد نموذجاً عالمياً متقدماً من حيث دمج الطاقات المتجددة في مشاريع تحلية المياه، إذ يرتكز على تشغيل محطة التحلية بواسطة طاقة ريحية تصل قدرتها السنوية إلى 60 ميغاواط، ما يعكس توجه الدولة نحو حلول بيئية مستدامة لتأمين الأمن المائي والزراعي.
محطة بتحولات استراتيجية
تبلغ القدرة الإنتاجية للمحطة نحو 37 مليون متر مكعب سنوياً، تخصص منها 7 ملايين متر مكعب لتزويد الداخلة وضواحيها بالماء الصالح للشرب، فيما تُوجّه الكمية المتبقية لسقي مساحة زراعية تُقدر بـ5000 هكتار، في إطار مشروع متكامل يشمل أيضاً إنشاء مدار سقوي وتطوير البنية التحتية للطاقة والمياه.
وحسب المعطيات التقنية، يتضمن المشروع وحدة لتحلية المياه بتقنية التناضح العكسي، ومنشآت بحرية وخزانات عملاقة، وقنوات جلب وتصريف المياه، إضافة إلى صهاريج ضخمة للري، ومحطة كهربائية فرعية مخصصة لتأمين الطاقة، ما يجعله مشروعاً بنيوياً واعداً متعدد الأبعاد.
تقدم ملموس في الأشغال
بلغت نسبة إنجاز المحطة الرئيسية بلغت 60 في المائة، بينما وصلت أشغال مدار الري إلى 85 في المائة، ومزرعة الرياح إلى 100 في المائة وقد بدأت الإنتاج فعلياً، مما يعزز إمكانية إنهاء المشروع بشكل كامل بحلول دجنبر المقبل، وفق الجدول الزمني المحدد.
ويمتد المشروع، الذي تبلغ كلفته الإجمالية نحو 2.5 مليار درهم، على منطقة تبعد 130 كلم عن مدينة الداخلة، ما يجعله رافعة تنموية في اتجاه الشمال، مع إحداث شبكة ري بطول 113 كيلومترًا، وتدفق مائي أولي يصل إلى متر مكعب في الثانية.
من الفكرة إلى التفعيل
يعود التفكير في المشروع إلى سنة 2013، في إطار تحيين المخطط الرئيسي لإدارة الموارد المائية في حوض الصحراء، عقب رصد استنزاف كبير للمياه الجوفية غير المتجددة بالمنطقة، خاصة مع التوسع الزراعي. وأوصت الدراسات حينها بضرورة التحول نحو مصدر مائي بديل، وهو ما تُرجم بقرار وزارة الفلاحة تطوير الزراعة اعتماداً على مياه محلاة.
وتتوفر الداخلة على مؤهلات زراعية واعدة خاصة في مجال الخضر المعدة للتصدير، ما جعل تأمين الري عاملاً حاسماً في ضمان استمرار هذا النشاط الحيوي، وبالتالي تمخض عن هذه الدينامية مشروع التحلية الذي يجمع بين الحلول البيئية والرهانات الاقتصادية.
دعم ملكي وتوجيهات استراتيجية
كان جلالة الملك محمد السادس نصره الله قد أشاد بهذا المشروع في خطابه الأخير بمناسبة عيد العرش، مع توجيه الحكومة لتسريع وتيرة إنجاز مشاريع تحلية مياه البحر بالاعتماد على الطاقات المتجددة، لمواجهة تحديات ندرة المياه وتوالي سنوات الجفاف، ما يعكس الأهمية الاستراتيجية لهذا الورش.
ويُرتقب أن يجلب المشروع استثمارات زراعية تقدر بـ2.5 مليار درهم، بفضل ضمان استقرار التزويد بالمياه، ما سيخلق بيئة ملائمة للاستثمار في المجال الفلاحي والسياحي والصناعات المرتبطة بهما، ويعزز الجاذبية الاقتصادية للمنطقة نحو الشمال.
نموذج للتنمية المستدامة
بهذا المشروع، تسير الداخلة نحو إرساء نموذج متكامل للتنمية المستدامة، يرتكز على استغلال الطاقات النظيفة، تأمين الأمن المائي، وخلق فرص الشغل، في تناغم مع التوجيهات الملكية ورؤية الدولة لمستقبل الأقاليم الجنوبية، كقاطرة تنموية ومجالٍ استراتيجي للتجارب الريادية على الصعيدين الوطني والدولي.