لا يوجد مناضل حر، مهما كان موقفه من نظام الحكم والدولة في بلده، ان يمد يده لأي جهة أجنبية تفرض عليه أجندة، لأن من يمول يفرض أفكاره وأطروحاته، ولا يوجد مناضل حر يسعى لتفتيت بلده وخدمة الأفكار الجهنمية للتقسيم، ومن المستغرب أن يقوم من يدعي أنه مناضل بطرح ملف لانتزاع جزء من البلاد تحت اسم “جمهورية افتراضية”، لأن المناضل بطبعه وحدوي، أما التقسيم فهو فكرة استعمارية وصلت أوجها مع خارطة برنار لويس لتقسيم العالم العربي إلى عدة دويلات على أساس عرقي وطائفي وديني.
مقدمة لابد منها للحديث عن مكتب “جمهورية الريف الافتراضية بالجزائر”. لا يهمنا المحتضن “السبونسور” لأنه رفع راية العداء منذ أكثر من نصف قرن، ولم يربح سوى الويلات، لكن يهمنا هؤلاء، الذين يسمون أنفسهم مغاربة، ويسمون أنفسهم مناضلين ويطرحون التجزئة، خدمة للاستعمار، ويطرحون “دويلة” خدمة للارتزاق ولأموال النفط والغاز، التي يُحرم منها الشعب صاحب الأرض التي تستخرج منه.
ليس منا من باع وطنه ولو بالذهب ومال الدنيا. والمغربي الحر يجوع ولا يبيع كرامته.
أواخر الستينيات من القرن الماضي كان محمد بن سعيد أيت إيدر، الزعيم اليساري، منفيا في الجزائر، وبعد اشتداد الخلافات بين البلدين حينها، طلبت منه القيادة الجزائرية برئاسة بومدين، الانخراط في قلب نظام الحكم بالمغرب، والأمر طرح على معارضين كثر بالمغرب، وكان بنسعيد انقلابيا أو ثوريا، لكن رفض أن يضع يده في يد دولة أخرى لمواجهة بلده، فجمع حقائبه ورحل نحو فرنسا ليؤسس منظمة 23 مارس الثورية. فالرغبة في التغيير لا تلتقي مع شغف الارتزاق.
وفي الداخل لدينا نموذج آخر. إنه الزعيم الاتحادي عبد الرحيم بوعبيد، رفض قبول الملك الراحل الحسن الثاني للاستفتاء في الصحراء المغربية. كان لكل واحد رؤيته. وقام باعتقاله رفقة مناضلين آخرين كمحمد اليازغي ومحمد الحبابي، وقال بوعبيد “ربي السجن أحب إلي مما يدعونني إليه”.
ما الشاهد في القصة؟
رغم أن بوعبيد كان يقود المعارضة الشرسة ضد نظام الحكم لكن كان أكثر تطرفا في النظر لقضية الوحدة الترابية من الملك الراحل الحسن الثاني. يعني أن وحدة المغرب موضوع بديهي ولا نقاش حوله.
نختلف حول الديمقراطية وطريقة تدبير الحكم والمؤسسات، ولو وصل حد الخلاف حد التناقض، لكن لا يمكن أن نختلف حول البديهيات. أولى البديهيات عند أي مغربي هي أن الحدود الثابتة للمغرب لا نقاش عليها وأن الصحراء مغربية والدفاع عنها شرعة مقدسة فبالأحرى أن ترفع عينيك إلى منطقة أخرى وتريد انتزاعها من الوطن، فحينها لن تواجه النظام أو الدولة أو أية مؤسسة لكن ستواجه الشعب المغربي كمجموع.
لك الحق في أن تعيش في الخارج وتعارض، لكن ليس لك الحق في أن تضع يدك في يد دولة رفعت راية العداء للمغرب لا من باب المنافسة ولكن من باب التمزيق والانفصال، واي خطوة في هذا الاتجاه هي ارتزاق.