تعود المعارضة البرلمانية إلى واجهة المشهد السياسي من بوابة ملتمس الرقابة، في خطوة تُعيد طرح أدوات المساءلة الدستورية للحكومة على طاولة النقاش العمومي، وسط تساؤلات عريضة حول جدوى هذه المبادرة في السنة الأخيرة من الولاية التشريعية، وما إذا كانت تعبيراً عن حركية ديمقراطية حقيقية أم مجرد تموضع انتخابي مبكر.
وبحسب مصادر مطلعة، فإن قوى المعارضة الرئيسية، ممثلة في أحزاب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والحركة الشعبية، والتقدم والاشتراكية، توصلت إلى شبه اتفاق نهائي لإعادة تفعيل ملتمس الرقابة، بعد فشل مبادرة مماثلة في العام الماضي بسبب تباين المواقف داخل المعارضة نفسها.
وأكدت المصادر، أن فرق المعارضة تلقت الضوء الأخضر من قياداتها السياسية للشروع في مسطرة التقديم الرسمي للملتمس، وفق ما ينص عليه الفصل 105 من الدستور والمادة 252 من النظام الداخلي لمجلس النواب، في وقت لم تحسم فيه بعد المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية موقفها من المشاركة في الخطوة.
توافقات سياسية جديدة
وتشير المعطيات المتوفرة إلى أن مكونات المعارضة تمكنت من تجاوز الخلافات السابقة التي حالت دون تقديم الملتمس خلال السنة الماضية، وهي خلافات وصلت حينها حد تبادل الاتهامات بالتواطؤ مع الأغلبية، ما أدّى إلى فتور في التنسيق بين الأحزاب المعنية.
لكن، هذه المرة، يبدو أن السياق السياسي ومحدودية أداء الحكومة في ملفات اجتماعية واقتصادية حساسة، دفعت مكونات المعارضة إلى إعادة رص الصفوف وطرح الملتمس مجدداً، خصوصاً بعد أن أصبحت تتوفر مجتمعة على النصاب القانوني اللازم لتقديمه.
أداة ضغط دستورية أم دعاية انتخابية؟
ويطرح هذا التحرك عدة تساؤلات حول أبعاده، خاصة وأن الفصل 105 من الدستور يشترط لتفعيل ملتمس الرقابة توقيع خُمس أعضاء مجلس النواب، لكن لا يُصادق عليه إلا بأغلبية مطلقة، وهي غير متوفرة حالياً للمعارضة بالنظر إلى التوازنات داخل المجلس.
وفي هذا السياق، برى العديد من المراقبين أن إعادة طرح ملتمس الرقابة في هذا التوقيت “يحمل أبعاداً رمزية أكثر من كونه محاولة جادة لإسقاط الحكومة”، معتبراً أنه أقرب إلى “إعادة تموقع سياسي قبيل انتخابات 2026، ومحاولة لبناء لحظة مساءلة سياسية تُعيد الحيوية إلى العمل البرلماني”.
تصريحات تعبّر عن تصعيد
من جهتهم، لم يُخفِ قادة المعارضة طابع التصعيد في خطابهم السياسي، حيث أكد محمد نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، أن الملتمس يشكل “فرصة سياسية أساسية تسبق الاستحقاقات المقبلة”، داعياً إلى جعله “محطة بارزة للمحاسبة”.
أما إدريس لشكر، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، فقد ذهب أبعد من ذلك، مشدداً على أن الحكومة “تقصي المعارضة وتمارس سلطة مركزية مغلقة”، معتبراً أن الدستور أصبح “غير قابل للتنزيل في ظل الوضع الحالي”، ومطالباً باستعادة روح التوازن التي ميّزت مراحل سابقة من المسار الديمقراطي.
أزمة تمثيلية أم لحظة مفصلية؟
في العمق، يعكس هذا الحراك البرلماني أزمة أعمق تتعلق بالتمثيلية السياسية داخل المؤسسات، وفق تعبير الباحثين، الذين يرون أن المعارضة تسعى من خلال هذه الخطوة إلى فرض حضورها داخل المشهد السياسي، واستثمار الظرفية الاجتماعية والاقتصادية الحرجة لمساءلة الحكومة، ولو بشكل رمزي.
ويجمع المراقبون على أن نجاح المعارضة في استثمار ملتمس الرقابة – ولو دون تمريره – قد يُشكل مكسباً سياسياً ومعنوياً يعيد لها المبادرة، خاصة في ظل تصاعد الانتقادات لأداء الحكومة في ملفات مثل القدرة الشرائية، والبطالة، وإصلاحات الحماية الاجتماعية.