محمد عفري
مر اليوم الوطني للسلامة الطرقية الذي وافق الجمعة الثامن عشر من فبراير، “مَرِنًا” كالعادة، مليئا بالأحداث التحسيسية والبرامج التوعوية، من أجل الحد من ارتفاع معدلات حوادث السير التي أضحت منذ عقود حرب طرق حقيقية تودي بحياة المغاربة بأرقام مخيفة، تضاهي أرقام حصاد الأرواح في بعض البلدان التي تعيش على إيقاع التوترات الإثنية والإيديولوجية وإيقاع الجوع والعطش والأوبئة.
على الرغم من أن المناسبة تزامنت و”انشغال” المغاربة بموجة الغلاء وارتفاع الأسعار وجفاف الموسم الفلاحي، إلا أن اليوم الوطني للسلامة الطرقية، كانت له مكانته الخاصة في فكر المواطنين ووجدانهم، لأن ارتفاع أرقام حوادث السير وارتفاع معدل ضحاياها أصبح واحدا من مؤرقات بال كل المغاربة، استعصى إيجاد حل ناجع للتخفيف من خسائره البشرية، إن لم يكن بالوفيات، فبالجروح الخطيرة المفضية إلى عاهات مستديمة.
اتخذ المسؤولون عن السلامة الطرقية لـ”الاحتفاء” بهذا اليوم شعار “مبادرتي من أجل الحياة..”، وجندوا لهذا اليوم الوطني التحسيسي برامج هادفة شارك فيها، كالعادة، كل الفاعلين والمتداخلين في حركة السير والجَوَلان، وتحملتِ المدرسةُ المغربية الحيزَ الأكبر من هذه البرامج في إطار تكريس التربية على السلامة الطرقية لدى التلاميذ، كما تحمَّل الإعلامُ، ومنه المرئي بالخصوص عِبْءَ مسؤولية هذا التحسيس والتوعية.
نفس البرامج ونفس الطرق التحسيسية التي يطل بها المسؤولون والفاعلون والمتداخلون في مشهد السلامة الطرقية، كل ثامن عشر من فبراير من كل سنة، وللأسف نفس الأرقام والحصائل السلبية التي يتم تسجيلها على مدار السنة تقريبا، تطل علينا كذلك، كأن حوادث السير، المميتة منها بالخصوص، تؤكد لنا شعارا مناقضا “لا حياة لمن تنادي..”، من أجل سلامة طرقية.
تساءلنا ونتساءل عن المجهودات المبذولة ماليا ولوجيستيا وموارد بشرية لتثبيت سلامة طرقية دون أن تتم، ونعيد السؤال أين الخلل؟ هل في مجمل منظومة السلامة الطرقية، بما فيها مدونة السير، أم في السلوك البشري والتربية الطرقية؟ أم في باقي مختلف المساهمين سلبا في الحوادث ضد كل سلامة طرقية ممكنة..
الأرقام المقبلة من الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية، تؤكد نزيف حرب الطرق المغربية التي يذهب ضحيتها سائقون وراجلون وركاب على أساس أسبوعي، لا ينزل عن العشرين قتيلا ومائتي جريح، غالبيتهم في حالة خطيرة. وأين؟ في المجال الحضري، أي في المدن التي يجب أن يغلب فيها طابع السلوك المدني الإيجابي لدى ساكنتها، في حياتهم العامة، فبالأحرى ألا يحضر سلوك التحضر والوعي والحياة الخلاقة لدى مستعملي الطرق من سائقين وراجلين وركاب، إذ لا مبرر هنا للحديث عن الاكتظاظ والكثافة السكانية والحركة الدؤوبة التي تمليها الدورة الاقتصادية في محور القنيطرة مراكش، عبر الرباط، والدار البيضاء والجديدة.
إلى وقت قريب ظل الرقم الوطني لحوادث السير المميتة مخيفا، لا ينزل عن أربعة آلاف قتيل وعشرين ألف مصاب بجروح خطيرة، نصف عدد إصاباتهم، ما بين مفضية إلى الموت أيضا، وإلى العاهات المستديمة.
اليوم، ورغم كثافة البرامج، تتسبب حوادثُ السير في المتوسط في حوالي 3500 وفاة و12 ألف إصابة خطيرة سنويا، بمعدل 10 قتلى و33 إصابة خطيرة يوميا، ما يعني أن حرب الطرق مستمرة بلا هوادة دون الوقوف على مسبباتها الحقيقية. بل رغم كل الجهود للتقليل من حوادث السير وتثبيت سلامة طرقية، لا يزال الوضع مقلقا، ففي شتنبر الأخير (2021)، سجل المغرب عشرة آلاف و28 حادث سير على المستوى الوطني، بزيادة 18.6 في المائة مقارنة بنفس الشهر من سنة 2020، و13.8 في المائة مقارنة بشتنبر 2019، وفقا لمعطيات الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية.
لا يعقل لمغرب جند كل إمكانياته لبناء الطرق والقناطر والممرات والأرصفة وعلامات التشوير، ودخل عالم الرقمنة في كل شيء بما فيه التشوير الطرقي، أن يظل بأرقام مرتفعة ومخيفة بأعداد حوادث السير، وأكثر خوفا بمعدلات الوفيات بسبب هذه الحوادث.