محمد فارس
من أغْرب الغرائب في هذا البلد، ومن أعجَب الأعاجيب في هذه الأمّة أن تكون هناك أحزاب بكثرة، وانتخابات، وصناديق اقتراع، تسْبقُها حمَلات تكلّف الملايير، ثمّ لا تكون هناك حكومة ذاتُ قدرات، وبرلمان ذو مصداقية، وبالجُملة مؤسساتٌ حقيقية اللّهمّ ما كان من بنايات، عليها لافتات تحْمِل فقط أشباهَ الألفاظ التي لا مقابل لها في دنيا الواقع.. فالحكومة تشكّلتْ من الباعة، والتّجار الذين لا علاقة لهم بالتّسيير والتّدبير؛ والبرلمانُ عجّ بالجهلاء من أصحاب الأملاك والدّكاكين؛ ومؤسّسات الجهات تَشكّلتْ من الانتهازيين وعُبّاد المناصب، وهُمُ الأصلُ من كلّ المصائب، والفسادُ انتشر وساد في كلّ ربوع البلاد، والظّلمُ اشْرأَبّ بعنُقِه وفَشى، وبيْنَنا تحكّم ومَشى، ولا أحدَ أدان، بلِ الكلُّ صمَتَ صمْتَ الأموات فعَمتِ الأعيُن وكُتِمَتِ الأصوات، ثمّ [لا تُخاطِبْني في الّذين ظلَموا، إنّهم مُغْرقون] صدق الله العظيم. وهنا أتذكّر تحذيرَ [ابن خلدون] الذي قال: [الظّلمُ منذرٌ بخراب العُمران]؛ فالأمّةُ التي تسود فيها المظالمُ، هيْهات من أن تكسب معركةً أو تنجح في رهان لأنّ الله لا يباركُها، لأنّه هو الذي يَنصُر مَن نَصره وهو المستعان، له المجد، كلُّ المجد إلى أبد الآبدين..
فما هي الحكومة قبل كل شيء؟ [الحكومة] بمعناها المشخّص، هي الهيئة المؤلّفة من الأفراد الذين يقومون بتدبير شؤون الدّولة: كرئيس الوزراء، والوزراء، وسائر الموظّفين، وتُسمّى هذه الهيئةُ بالسّلطة التنفيذية، وهي شخصٌ معنويٌ له سلطة والأمر والنّهي.. و[الحكومة] بمعناها المجرّد، هي الحكم، أو فنُّ الإدارة والتّدبير، والسياسة، كما في قولنا: الأصلُ في الحكومة تحقيق مطالب الشّعب، ورعاية مصالح المواطنين، وحِفْظ حقوقهم، وكما يقول [مونتسكيو]: [كلّما كانتِ الحكومةُ أكثر ملاءمة لمنازِع الشّعب، كانت إلى طبائع الأشياء أقْرَب]؛ ويقول [جون لوك]: [الحكومة هي الحارسُ الليْلي لمصالح ولحقوق المواطنين]، ونحن نعرف ما تقوم به الحكومة من مُصادرة لأراضي سُكّان القبائل الصّحراوية، وكيف حمَتْ وصانت حقوقَ سكان [أولاد العيّاشي] الذين هُجِّروا، وأُخرِجوا من بيوتهم، وهكذا تُدَعِم الحكومةُ الجبهةَ الدّاخلية في بلادنا..
تُعتَبر من قبيل شهادة الزّور أن تُسمّي هذه الزّمرة من التّجار والباعة والسّماسرة والمضاربين، بالحكومة؛ هذه شهادةُ زور؛ فهذه الحكومةُ لها شكْلُ الحكومة ظاهريًا فقط، لكنِ العناصر المكوّنة لها، لا صلةَ لها بأيّ نوعٍ من الحكومات، فهي عاجزة، وبلا قدرات بدليل إنجازات بعض عناصرها الذين كانوا وزراءَ في حكومات سابقة مثل السّيد [أخنوش] الذي خدَم فلاحتَه التّصديرية، وخدَم قطاعَ الصّيد البحري الذي يذرُّ عليه أموالاً طائلة، والمياه الجَوفية التي اسْتَنْفَدَتْها فلاحةُ [أڤُوكا]، ثم أراضٍ حاول الاستيلاءَ عليها ناحية [أغادير] فنُظِّمَت مظاهراتٌ حاشدة ضدّه، وفي هذه المدينة سمع عبارة [اِرْحل]؛ هذا الثّريُّ والمليارديرُ أصبح رئيسًا للحكومة بواسطة [قفّة رمضان]، وبوعودٍ كاذبة لم يَفِ ولو بواحد منها منذ تَولّيه.. لقد شكّل حكومتَه من موظّفاتٍ وموظّفين كانوا يشتغلون في [50] شركة من شركاتِه، فماذا حقّقتْ حكومتُه لهذا الشعب، وكيف حرِصَت على حقوق المواطنين، وكيف حمَت مصالحهم؟ اِسْألْ قطاع الصّحة وهي الآن تتحوّل إلى قطاع خاص؛ ثم اسْأل قطاع التعليم كيف صار قطاعًا خاصّا في يد التّجار؛ واسْأل قطاعَ الفلاحة الذي لم يَعُدْ يوفّر الحدَّ الأدنى لغذاء الشّعب؛ واسْأل المياهَ أين اختفتْ بسبب زراعة الأثرياء السّقْوية التي تسْتَنْفِد المياهَ الجوفية؛ واسْأل المواطنين المهاجرين من البادية إلى المدينة؛ واسْأل أيّ مواطنٍ عن أثمان المحروقات التي وإن انخفضتْ أثمانُها عبر العالم، ما زال [أخنوش] ولوبيّاتُه يرْفعون أثمنتَها في [المغرب]؛ واسألْ عن صحراويين تصادر أراضيهم، وعن غرباويين يهجَّرون من بيوتهم، فيما نحن بحاحة إلى دعْمٍ للجبهة الدّاخلية، وخصومُنا يستغلّون هذه المظالم للنّيل منّا عبْر وسائل الإعلام..
قُلنا إنّ هذه الحكومة بدون قُدرات، فما هي القدرةُ يا ترى؟ [القدرة] هي القُوّة على الشيء، وهي مرادفة للاستطاعة، والفرقُ بيْنَها وبيْن القوة، أنّ القوة تضافُ إلى العاقل وغيْرِ العاقل، فتكون طبيعيةً، وعقليةً، كما في قولنا: قوة التّيار، وقوّة الجسم، وقوّة الخيال، على حين إنّ القدرة لا تُضاف إلاّ إلى الكائنات العاقلة فقط، كما في قولنا: قدرةُ السّياسي، وقدرة المربّي، وقدرة الحاكِم، وقُدْرة الإرادة، وعلى هذا الأساس، فإنّ حكومة [أخنوش] لها قوّة كقوّة الزّيادة في الأسعار، وقوّة تهجير السّكان من بيوتهم، وقوّة طرْد العمّال وغلْق معاملهم، وقوّة إبقاء السّجناء المظلومين في سجونهم، لكنْ، أبدًا، لا قدرةَ لها في صيانة حقوق ومصالح المغاربة، ولا قدرةَ لها في رفعِ المظالم، ولا قدرة لها في توفير حاجات المواطنين؛ فهي بالجملة حكومةٌ بِلا قُدُرات..