في ظل تفاقم تداعيات الجفاف والتغيرات المناخية التي باتت تفرض نفسها بقوة على الخريطة المائية للمملكة، كشف وزير التجهيز والماء، نزار بركة، عن تفاصيل برنامج وطني طموح يهدف إلى ضمان الأمن المائي للمغاربة، وضمان التزود المستدام بمياه الشرب والسقي، وذلك خلال تفاعله مع سؤال كتابي تقدم به البرلماني إبراهيم أعبا حول العجز البنيوي في الأحواض المائية.
وأوضح بركة أن الحكومة دخلت مرحلة “تسريع وتيرة الإنجاز”، عبر توقيع اتفاقية إطار لتنفيذ البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي للفترة ما بين 2020 و2027، برؤية استراتيجية رُصد لها غلاف مالي ضخم يناهز 143 مليار درهم. الهدف: تنويع مصادر الماء، تحديث البنيات التحتية، وضمان جاهزية المغرب لمواجهة سيناريوهات أكثر تعقيدًا بفعل استمرار الجفاف وتراجع التساقطات.
البرنامج يتأسس على ثلاث دعامات رئيسية: توسيع العرض المائي من خلال بناء سدود كبرى وصغرى، استثمار تكنولوجيات حديثة كتحلية مياه البحر وإعادة استعمال المياه العادمة، إضافة إلى تحسين تدبير الطلب عبر رفع مردودية الشبكات والتوجه نحو الري الموضعي، خاصة في الوسط القروي.
ولمواجهة الحالات المستعجلة، كشف الوزير عن إدراج مشاريع استعجالية بمبلغ يفوق 2.3 مليار درهم، بهدف دعم ثلاثة أحواض مائية وجهة درعة تافيلالت التي تشهد عجزًا حادًا. وتم في هذا السياق توقيع اتفاقيات شراكة متعددة بين الوزارات والمؤسسات المعنية لتأمين التزود بالماء الشروب في المناطق المتضررة.
وبغرض تعزيز القدرة اللوجستية في العالم القروي، خصصت الوزارة برنامجًا تكميليًا لتوفير 582 شاحنة صهريج و4400 صهريج ثابت، إلى جانب شراء 26 محطة متنقلة لتحلية المياه و15 محطة لإزالة المعادن، بغلاف مالي إجمالي يناهز 871 مليون درهم.
ومن المشاريع الكبرى التي أُطلقت أيضًا، الشطر الاستعجالي لربط أحواض سبو وأبي رقراق، والربط بين سدي واد المخازن ودار خروفة لدعم تموين مدينة طنجة بالمياه، إلى جانب دعم الدار البيضاء بمياه محطة الجرف الأصفر، ومشروع ضخم لتحلية المياه في مدينة الداخلة.
وأشار بركة إلى أن وزارته تعمل على تحيين الاستراتيجية الوطنية للماء، بتعاون مع خبراء دوليين ومنظمة الأرصاد العالمية، لتقييم الموارد المائية بشكل أدق في ضوء التغيرات المناخية المتسارعة. والغاية، كما شدد الوزير، هي بلوغ هدف “تزويد كامل بنسبة 100% بالماء الشروب و80% بمياه السقي”، وفق التوجيهات الملكية.
ويأتي هذا البرنامج في وقت يعاني فيه المغرب من عجز مائي بنيوي مقلق، ناتج عن تراجع حاد في الموارد المائية، سواء السطحية أو الجوفية، بسبب انخفاض الأمطار وتوالي سنوات الجفاف، ما أخلّ بالتوازن الهش بين العرض والطلب.
ويؤكد الوزير أن المملكة راكمت خبرة طويلة في مجال إدارة الموارد المائية، بدأت منذ ستينيات القرن الماضي، عبر سياسة تشييد السدود التي أثمرت إنجاز 154 سدًا كبيرًا و148 سدًا صغيرًا، ومحطات متعددة لتحلية المياه وتحويلها. غير أن السياق الحالي يتطلب رؤية جديدة أكثر دينامية وشمولية لمواجهة تحديات القرن الـ21 المائية.