الدكتور احمد درداري*
عملا بالدستور المؤقت الذي وضع بعد الإطاحة بنظام معمر القذافي سنة 2011، يبدو الوضع الداخلي لليبيا يسير نحو إرساء دعائم دولة القانون والمؤسسات واعتماد شرعية التغيير والاصلاح، والخروج من دوامة الصراعات التي تتغذى من الصراعات الدولية، وذلك بإعداد القوانين المنظمة للانتخابات البرلمانية والرئاسية المقررة في ليبيا نهاية العام الجاري، بعد مسار شاق من المفاوضات الاخيرة بين الفرقاء والتي استمرت لمدة أسبوعين في مدينة بوزنيقة المغربية.
إن تحقيق تطلعات الشعب الليبي لاستتباب الأمن والاستقرار والتنمية، يبدأ بالتفاهم حول القضايا الجوهرية والمهمة بالحوار الجاد والمسؤول ووضع مصلحة الشعب الليبي فوق كل اعتبار، وتكريس العمل الوطني الخالص دون شخصنة أو تعصب، وهو المنحى السليم الذي سارت عليه اللجنة المشتركة التي كلفت من طرف مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة الليبيين بمهمة إعداد القوانين الانتخابية، والتوافق حول القوانين المنظمة للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة نهاية السنة الجارية، ذلك أن نمط الاقتراع الذي سوف يعتمد لاختيار الحكام في ليبيا هو الذي يعكس نوع الديمقراطية الذي يصلح لخدمة مصلحة الشعب الليبي.
وقد ساهم المغرب في تقريب وجهات النظر عبر عدة لقاءات جمعت مختلف الأطراف الليبية التي بحثت عبر نقاشات مستفيضة حول السبل الكفيلة بتسوية الأزمة الداخلية، وذلك بتوفير الفضاء المناسب من أجل إغناء الحوار والتشاور البناء حول مستقبل ليبيا.
هذا ويعتبر حضور رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا خالد المشري ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح في حفل التوقيع على الاتفاق الخاص بالقوانين الانتخابية في الرباط يؤشر على التطور الايجابي نحو تثبيت المكتسبات والتوافقات كأسس لبناء الدولة الحديثة، ووضع مرجعية للاحتكام اليها في التداول على السلطة، من قبيل عدم المساس بشرعية النظام الليبي، وممارسة سلطات متفق عليها ومحدودة، اضافة الى التناوب السلس على السلطة. و وضع شروط متفق عليها للوصول الى السلطة الرئاسية كعدم السماح لمزدوجي الجنسية الترشح لرئاسة البلاد، والتخلي عن الجنسية الثانية إذا وصل المترشح الى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، بالإضافة الى اعتماد الثنائية البرلمانية حيث يتكون مجلس الأمة الليبي من غرفتين جلس النواب ومجلس الشيوخ. وتم الاتفاق على زيادة مقاعد مجلس النواب ليصل إلى297 نائبا يمثلون الشعب الليبي تمثيلا سياسيا، ومجلس الشيوخ مكون من 90 عضوا يمثلون الاقاليم الليبية، ويتكون قانون رئيس الدولة من 89 مادة، بينما يتكون قانون انتخاب مجلس الأمة من 94 مادة.
ويعبر التصور الليبي الذي نسجه الفرقاء الليبيين عن مستوى الوعي الذي يميز الشعب الليبي والنخب الليبية، لاسيما الحفاظ على الهوية، والخصوصية الثقافية للشعب الليبي من خلال القواعد التي يسطرها الليبيون وفق تصور ليبي محظ، والتطلع إلى مستقبل يبدأ بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية متزامنة في ليبيا تحت إشراف الأمم المتحدة ومساهمة سفراء من دول عربية وإفريقية، وفي مقدمتهم سفير دولة الإمارات، وكوت ديفوار، والبحرين، والسعودية، ومصر، تجسيدا لأهمية التطورات على الساحتين العربية والأفريقية.
وبعد التوافق حول كيفية الخروج من الأزمة التي عمرت أكثر من عقد من الزمن سوف تجرى عقب ذلك انتخابات تصريف أزمة الصراع حول السلطة بين حكومة عينها مجلس النواب مطلع عام 2022، وحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة الذي يرفض تسليم مهام رئاسة الحكومة ماعدا لحكومة منبثقة عن برلمان جديد و منتخب.
ووفق اتفاق المجلسين كلفت اللجنة بإعداد قوانين انتخابية توافقية ستجري عبرها انتخابات والخروج من تعثر ممارسة السلطة بين الحكومتين السالفتي الذكر .
إن المرحلة القادمة سيتم تخصيصها للاعلان عن الاحزاب السياسية التي ستدخل غمار المنافسة الانتخابية، وإعداد اللوائح الانتخابية وتقسيم البلاد الى دوائر انتخابية و التي تتكون من 11 دائرة انتخابية وتخصيص عدد المقاعد لكل منها طبقا لمعيار الهيئة الناخبة، وذلك طبقا للجدول المحدد في القانون لانتخاب الشيوخ. بينما مجلس النواب فسوف يتم انتخاب نواب الأمة بالاقتراع العام السري المباشر بحيث سيتم انتخاب 155 عضوا بالاقتراع بالقوائم المغلقة التي تقدمها الأحزاب بموجب نظام التمثيل النسبي للوائح. في حين ينتخب 142 نائبا برلمانيا على أساس الترشح الفردي وفقا لنظام الفائز الأول الذي يحصل على أكبر عدد من الأصوات الصحيحة، وفي حالة التساوي تجرى القرعة لحسم الفائز.
وأمام الطموح الديمقراطي الليبي الذي ينتظره الشعب الليبي بفارغ الصبر يبقى احتمال إجهاض العملية السياسية أمرا واردا، سواء حصل التراجع عن المكتسبات الوطنية المحققة لحد الآن من قبل أحد الأطراف الليبية، أو إذا تدخلت أيادي خارجية في الشأن الداخلي للشعب الليبي.
وعليه يتحمل الشعب الليبي والاطراف المعنية كامل المسؤولية الأخلاقية والسياسية والقانونية وحتى الجنائية تجاه المصالح العليا للبلاد التي لا تظلم أحدا. وتجاه انتظارات الشعب الليبي الذي سئم انتظار تحقيق الامن والاستقرار منذ الربيع العربي واسقاط نظام القدافي.
*رئيس المركز الدولي لرصد الازمات واستشراف السياسات