يتصرف وزراء حكومة المغرب وبعض المسؤولين كأنه لا يوجد حسيب ولا رقيب على المال العام. بالنسبة للبرلمان هم يملكون الأغلبية، والمعارضة تعاني قصورا خطيرا ناتجا عن جراح ذاتية فحزب مطرود إلى المعارضة والآخر سقط سقوطا حرا في الانتخابات، والمجلس الأعلى للحسابات تقاريره تتأخر كثيرا ويكتفي بالتنبيهات ونادرا ما يقدم محاضره إلى المحكمة، وبالتالي فإن المسؤول المغربي غير خائف من “أحد”، ويسعى عبد اللطيف وهبي، وزير العدل إلى حرمان الجمعيات المدنية من الترافع والتقاضي لصالح حماية المال العام.
أصبح واضحا للعيان أن هناك استهتارا كبيرا بالمال العام، ففي وقت الجائحة، وفي وقت الأزمة الأوكرانية، نرى وزراء يتهافتون على إنجاز مشاريع تدخل في إطار “الترف” أي إن الوزارة لما تنجز عشرات المشاريع الجادة والمهمة تقوم معها أيضا بإنجاز مشروع أو مشروعين من هذا الصنف، لكن وزراء الحكومة منغمسون في هذا السياق دون غيره.
الميزانية العامة للمملكة المغربية تعيش عصر “السيبة”، حيث يتم توزيع المال العام يمنة ويسرة، ومن ينتظر تنبيهات مؤسسات الرقابة ستكون الفأس وقعت على الرأس و”فات الفوت”.
يقوم المجلس الأعلى للحسابات والمفتشية العامة لوزارة الداخلية بعدد من التدقيقات في حسابات المجالس الجماعية، وهي كلها تهم الفترات السابقة، بمعنى من “أكل أكل ومن شرب شرب” وضاع المال العام، لأن الضرب لا يكون في الوقت المناسب.
يتذكر المغاربة جيدا قصة محاكمة الوزراء في سنة 1972 في قضية رشوة دولية حول صفقة للطائرات، وتم اعتقال ستة وزراء في الحكومة. هذه العملية أنقذت المغرب وقتا طويلا. يمكن القول إنها تركت المسؤولين في حالة رعب لمدة 20 سنة أو أكثر. ثم جاءت حملة التطهير سنة 1996 من أجل استئناف عملية الردع، التي لولاها لكان “الرأسمال” قد أكل الأخضر واليابس، لكن العملية أوقفته عند الحد اللازم.
من الأكيد أن عمليات الردع لا يستمر مفعولها أبد الدهر مما يقتضي عمليات تقوم بالتذكير الجماعي لمن ينسى، وفي عهد جلالة الملك محمد السادس تمت عمليات من قبيل إعفاء وزراء في مشروع الحسيمة، غير أن الحكومة لم تواكب هذه العملية بفتح تحقيقات موازية يترتب عليها جزاءات محددة، مما جعل الكثير ممن تم إعفاؤهم يذهبون ليستمتعوا بما نهبوا.
اليوم في غياب برلمان قوي وذلك لغياب معارضة قوية وحدها قادرة على ممارسة الرقابة على الحكومة وفي ظل إجراءات رتيبة وبطيئة للمجلس الأعلى للحسابات، سيبقى المال العام عرضة للنهب والسيبة المستفحلة مما يقتضي ضربة ملكية قوية تكون بمثابة الردع الذي ينتظره المغاربة، حتى يتراجع الناهبون الذين لا يخافون في الله لومة لائم ولا يألون جهدا في نهب المال العام، وستكون هذه الضربة في حكم الرادع القوي ويمكن أن يسري مفعولها لسنوات طويلة.