ما يجري لعبد اللطيف وهبي، وزير العدل، هو الوجه الظاهر لوزراء الحكومة، التي أنهت سنتها الأولى وبدأت الثانية، ولم يعلم أحد بما تقوم به، فالوزير صاحب العبارة الشهيرة “كنعرف لون تقاشرك”، صنع حوله عزلة رهيبة من شركاء الوزارة قبل البعيدين عنها، وهو كان يعتقد بتلك العبارة التي افتتح بها عهده سيخيف الآخرين، غير أنه نسي أن الآخرين لم يعودوا يخافون في ظل دستور ساوى بين المغاربة كبيرهم وصغيرهم، وحرص فيه جلالة الملك على أن يكون دستورا تشاركيا، بينما وهبي يحاول جهده الانفراد بكل القرارات التي تهم وزارته.
فبعد أن خرج المحامون، وهم فئة واسعة وعريضة مهمتها ضمان المحاكمة العادلة وبدون محامٍ لا تكتمل الجلسة، حتى إن القانون أقر المساعدة القضائية حتى يتم تعيين محامٍ لمن لا يستطيع إلى ذلك سبيلا، اليوم يخرج القضاة محتجين.
احتج المحامون على قوانين يهيئها وهبي داخل أروقة وزارته دون استشارتهم رغم أنهم هم المعنيون بالموضوع، فلا يعقل أن وزير العدل يسرب مسودة لقانون تنظيم المهنة دون أن يعلم المعنيون بالأمر شيئا عنها، ولهذا خرجوا رافضين لهذه المسودة.
ومن آخر الجهات التي خرجت ضد وزير العدل نادي قضاة المغرب، الذي بعث إليه رسالة يخبره فيها أنه سيقاطع الندوة المنظمة بشراكة مع هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين تحت عنوان “المساواة والعدل في الأسرة المغربية”، واعتبر النادي أنه يؤمن بمبدإ الديمقراطية التشاركية كما نص عليها الفصل 12 من الدستور وكما وردت في التوجيهات السامية لصاحب الجلالة، وذلك في كل المشاريع والقرارات التي تهم منظومة العدالة، وفي غياب مبدإ التشاركية في اتخاذ القرارات والإعداد لمنظومة العدالة فإن النادي سيقاطع ندوة وزير العدل.
بمقاطعة نادي القضاء لندوة وزير العدل يكون عبد اللطيف قد استكمل دائرة عزلته، حيث أغلق الباب أمام المجتمع المدني وخاصم المسؤولين وابتعد عنه الكثيرون بعد حكاية “لون التقاشر”، كما تورط قبيل المجلس الوزاري الذي تأجل حيث خالف التقاليد المرعية، وقاطعه المحامون بل حتى البرلمانيون من حزبه لا يرون فيه الزعيم الذي بإمكانه قيادة الحزب في مرحلة صعبة، بالإضافة إلى أن أعضاء في المكتب السياسي لا يستسيغونه ولا يلتقونه إلا في الاجتماعات الرسمية.
كيف يمكن لوزير وزعيم سياسي أن يدير شؤونه والقضاة يقاطعون ندوة مهمة تدخل في باب الإعداد للمنظومة التشريعية، وهم من سينفذها، والمحامون لا يقاطعونه فقط بل يخرجون مطالبين برحيله أصلا لأنه غير قادر على التواصل مع شركاء الوزارة ونقابات أخرى تهم كتاب الضبط وغيرهم كلها تحتج ضده؟
ماذا بقي لوهبي كي يعلن رحيله عن الوزارة بأقل الخسائر الممكنة؟ لقد كسر كل شيء ولم يعد قادرا على إصلاحه بتاتا بل اتسع الرقع على الراتق وليس بإمكانه خياطة ما مزقه نهائيا.