في تصعيد غير مسبوق للأزمة المتفاقمة بين فرنسا والجزائر، أعلنت باريس، اليوم الأربعاء، عن استدعاء القائم بالأعمال الجزائري لديها، للتنديد بما وصفته بـ”القرار غير المبرر” من قبل السلطات الجزائرية بطرد دبلوماسيين فرنسيين. وأكدت أنها سترد بإجراء مماثل يشمل ترحيل عدد من حاملي الجوازات الدبلوماسية الجزائرية الذين لا يحملون تأشيرات سارية.
وقال وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو، في تصريحات لمحطة “بي إف إم تي في”، إن الرد الفرنسي سيكون “فورياً، حازماً، ومتناسباً”، في خطوة تعكس توتر العلاقات الثنائية التي تمر بمنعطف حاد منذ عدة أشهر.
شبهة اختطاف معارض تشعل النار تحت الرماد
ويأتي هذا التصعيد في ظل معطيات تفجّر قضية أمنية خطيرة، تتعلق باتهامات وجهتها الاستخبارات الداخلية الفرنسية (DGSI) لمسؤول دبلوماسي جزائري سابق في باريس بالتورط في عملية اختطاف المعارض الجزائري أمير بوخرص سنة 2024 قرب العاصمة الفرنسية.
وبحسب معلومات كشفتها وكالة الصحافة الفرنسية، فإن التحقيق الذي تشرف عليه وحدة مكافحة الإرهاب بباريس، أسفر في أبريل الماضي عن توقيف ثلاثة أشخاص، فيما وُجهت أصابع الاتهام إلى شخص رابع يُعتقد أنه ضابط في جهاز الاستخبارات الخارجية الجزائري، وصل إلى فرنسا بغطاء دبلوماسي كـ”سكرتير أول” في سفارة الجزائر بباريس، مما جنّبه الاعتقال بفضل الحصانة الدبلوماسية.
المشتبه به، المعروف بالأحرف الأولى من اسمه (س.س.)، يعتقد المحققون أنه غادر الأراضي الفرنسية، ما يُعقّد الملاحقة القانونية، ويزيد من حدة التوتر بين العاصمتين.
الاختطاف المحتمل يعيد شبح “الحروب القذرة” إلى أوروبا
وتثير هذه القضية تداعيات خطيرة على مستوى الثقة المتبادلة بين فرنسا والجزائر، خاصة أن العملية المزعومة جرت على الأراضي الفرنسية، وفي قلب عاصمتها، ما يُعد خرقًا غير مسبوق للسيادة، ويعيد إلى الأذهان سيناريوهات الحروب الاستخباراتية الباردة التي طبعت العلاقات بين البلدين خلال تسعينيات القرن الماضي.
التحقيق الفرنسي يركز على ظروف اختفاء أمير بوخرص، وهو معارض بارز للنظام الجزائري، يُعرف بمواقفه الناقدة للرئيس عبد المجيد تبون، ويُرجح أنه تعرض لعملية استدراج واختطاف ممنهجة، ما يزيد من تعقيد الملف السياسي والأمني.
علاقات هشة على وقع ملفات عالقة
وتأتي هذه التطورات في سياق تدهور العلاقات الفرنسية-الجزائرية، التي عرفت توترات متكررة على خلفية ملف التأشيرات، الذاكرة التاريخية، والتعاون الأمني في الساحل الإفريقي. وقد شهدت العلاقة محاولات تطبيع خلال زيارات رسمية متبادلة، إلا أن انعدام الثقة ظل العنوان الأبرز.
ويرى مراقبون أن قرار الجزائر طرد دبلوماسيين فرنسيين كرد على التحقيق الجاري في باريس، يأتي في سياق تحصين موقفها الداخلي و”رد الصاع” لفرنسا، التي باتت أكثر تشدداً في تعاطيها مع الاتهامات الأمنية ذات البعد السيادي.