توقيف موظفين وأصحاب شركات ومستخدمين في قضية صفقات مشبوهة بوزارة الصحة، أمر يفرح كل غيور على الوطن وكل حريص على المال العام، وبداية التحقيق انطلقت من “وجود شبهة التلاعب في مجموعة من الصفقات العمومية الخاصة بالمؤسسات التابعة لقطاع الصحة إضرارا بالمال العام”، واعتبرت النيابة العامة، التي حركت الملف باعتبارها ضمير المجتمع، هذه الأفعال منافية للقانون حيث تمثلت في تذليل وتسهيل تمرير ونيل صفقات عمومية خلال السنوات الفارطة تهم عمليات توريد واقتناء أجهزة ومعدات طبية مخصصة لتجهيز مستشفيات القطاع العام، مقابل الحصول على عمولات وتلقي مبالغ مالية ومنافع عينية.
دور القضاء حماية المال العام، لكن هناك مؤسسات أخرى تتحمل المسؤولية في ذلك، باعتبار أن القضاء يتحرك لما يتوصل بما يفيد أن هناك انتهاكا لحرمة المال العام، وقلنا إن هذا الأمر مهم جدا، لكن لا ينبغي أن يتوقف عند حدود موظفين صغار أو متوسطين، إذ لابد من أن توجد “حيتان” كبيرة هي من كانت تقف وراء تسهيل الصفقات.
ليس في الأمر تشكيك في قدرات التحقيق على أن يصل إلى الحدود القصوى، ولكن يبقى السؤال مشروعا: أين “الحيتان” الكبيرة في صفقات الصحة؟ يبقى هذا السؤال مشروعا لسبب بسيط هو أننا لم نعهد أن تصل الأمور إلى نهايتها لغاية أو أخرى في نفس من يحرص على ألا تُفتح الأوراق الكاملة للملف.
لا نتصور أن يكون موظفون في مستويات معينة وحدهم المتورطين في مثل هذه الصفقات المشبوهة، حيث لا يمكن أن تمر قضايا مثل هذه دون أن تكون تحت أعين كثير من المسؤولين الكبار، وربما يكون التحقيق في تورطهم معقدا، ليس لأنه لا يستطيع الوصول إليهم ولكن لأن الآثار العملية لا تدل على ذلك، حيث تقف آثار الشبهات عند حدود معينة من التوقيعات، لهذا يفلت بعض الحيتان الكبيرة.
لكن السؤال الذي ينبغي أن يجد له المحققون جوابا: كيف أمكن أن تمر هذه الصفقات بمجرد تواطؤ موظفين من مستويات دنيا أو متوسطة دون موافقة موظفين كبار؟
لكن على العموم عملية تقديم هؤلاء للنيابة العامة وعرضهم على قاضي التحقيق قد يكشف الخلفيات غير الواضحة لعملية نهب المال العام في ظروف عصيبة.
يمكن من خلال عمليات مثل هاته، إذا تواصلت وأخذت مسارها الطبيعي، وحققت نتائجها، أن تكون رادعا لكل موظف تسول له نفسه اللعب بالمال العام، ولكن على ألا تقف عند حدود الأدوات التنفيذية ولكن تصل إلى من أمر ووافق وتواطأ. لأن هناك عملا كبيرا يمكن القيام به، فهناك المجلس الأعلى للحسابات باعتباره دركي المال العام وهناك المفتشية العامة للمالية كما توجد مفتشيات عامة في كل وزارة، وإذا تم تحريك كل هذه المؤسسات يمكن تطهير الإدارة من المفسدين.