الإصلاح الكاذب مثل الحمل الكاذب، لأن النهاية المتوقعة تكون مخيبة للآمال، فإصلاح صناديق التقاعد كاذب لأن نهايته معروفة، وليس هناك ما يفيد أن الحكومة عازمة على إصلاح جدري ينقذ الصناديق دون أن يمس جيوب الموظفين، فليس الموظف هو المسؤول عن فشل الصناديق وعن عجزها المحتمل، لأن الموظف أدى ما عليه أداءه وما يفرضه عليه القانون، واقتطعت الصناديق الأموال اللازمة من المصدر، وكان على من يدير هذه الصناديق أن يدخر هذه الأموال حتى تنمو وتكبر كي تعود لأصحابها في الأخير.
الادخار مفهوم عندنا بطريقة سيئة للغاية، فادخار الموظف من خلال ما يتم اقتطاعه ليس تجميعا للأموال، التي تأكلها الرواتب المتضخمة للمسؤولين على الصناديق، ولكن عبر استثمارها وتنميتها، وتسمى أحيانا “أموال اليتامى”، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “تاجروا بمال اليتيم حتى لا تأكله الزكاة”، أو فيما معناه، ولهذا نقول “تاجروا بأموال الموظفين حتى لا تأكلها أجور كبار الموظفين”.
الزكاة واجبة بينما الأجور المنتفخة لا لزوم لها ويمكن الاستعاضة عنها بأجور معقولة، لكن أهم شيء في الموضوع هو الابتعاد في أي إصلاح عن جيوب الموظفين وسنهم، وتطوير آليات الادخار وتنمية الأموال، ومعروف أن الصناديق كلها تستثمر في اتجاه واحد، لكن المشكل هو أين تذهب الأرباح التي يتم جنيها من وراء هذه الاستثمارات.
بعد كل ما جرى، بعد رفع سن الحصول على المعاش، وبعد رفع نسبة الاقتصاطاعات، وخفض حج المعاشات، تأتي وزيرة الاقتصاد والمالية لتقول لنا بأن ما وقع لم يكن إصلاحا جذريا، فهل لدى الحكومة خطة تتراجع فيها عن مآسي ما خلفه الإصلاح السابق وتقدم إصلاحا شاملا ليس على حساب الموظفين، ولكن عبر تفكير جدي وجاد في كيفية حماية أموال الموظفين من النهب الذي تتعرض له.
سنوات طويلة وهذه الأموال يتم استثمارها. فهل أفلست الشركات المكلفة بذلك؟ إذا كان الأمر كذلك يجب أن يتم إعلان الأمر للمغاربة؟ وبالتالي لابد أن يكون هناك تأمين. فهل هناك تأمين أم لا؟ إذا لم تكن الشركات المكلفة بالأمر قادرة على تحقيق أرباح مهمة تعود بالفائدة على الصناديق وبالتالي على الموظفين لحظة تقاعدهم، فلماذا لا يتم الاكتفاء بالاستثمار في القطاع المالي وهو قطاع مضمون لحد الساعة؟ هل هناك من يريد أن تستمر الأمور كما كانت عليه لأنه يستفيد من الوضع؟
أي إصلاح لا ينبني على تفكير علمي سيكون مآله الفشل، ولأن الحكومة لا تدبر شؤونها وفق قواعد المنطق فإنها ستقوم بإصلاح كاذب أيضا وللمرة الثانية والثالثة والرابعة، وسيستمر الأمر على ما كان عليه سوى أن الإصلاح سيعتمد على جيوب الموظفين مرة أخرى وسيأتي على ما تبقى من ذلك، والأدهى والأمر هو أن الوزيرة باسم الحكومة تهددنا بإفلاس هذه الصناديق في وقت وجيز، بمعنى أن كثير من الموظفين ما زالت الحكومة تقتطع من أجورهم لن يجدوا معاشا.