شدد خبراء في الصحة ونقابيون، على أن ” الجائحة كشفت عن حقيقة ومستوى العدالة الصحية بالمغرب و العدالة الاجتماعية بمفهومها الأوسع حيث أظهرت فظاعة التفاوتات في مجال الرعاية الصحية الفردية والمجالية واتساع الفوارق الطبقية والاجتماعية والمجالية، و كشفت عن ضعف المنظومة الصحية الوطنية العمومية، وتدني خدماتها، حيث تظل فئات واسعة من المواطنين تكافح من أجل تلبية احتياجاتها للعيش الكريم ، حيث ظلت ترزح تحت نيران الفقر والبطالة، وتعيش في أوضاع تعليمية وصحية وسكنية سيئة، وصعوبة ولوج الأدوية ، وتعاني من عدم المساواة بين الجنسين، ومن فرص العيش في بيئة آمنة والمياه الصالحة للشرب و الأمن الغذائي ويؤدي ذلك إلى معاناة ومأساة انسانية ، والإصابة بأمراض مزمنة كان من الممكن تلافيها والوفاة المبكرة في صفوف النساء الحوامل والاطفال الرضع “.
وشددت الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة ، على أن ” الوضع الصحي مقلق ليس فقط بسبب جائحة كورونا بل ناتج عن ضعف التغطية الصحية التي لم تتجاوز الى يومنا 46% فضلا عن تدني الانفاق في مجال الرعاية الصحية الذي لم يتجاوز 4.5% طيلة العشر سنوات الاخيرة ونسبة ضئيلة من الناتج الوطني الاجمالي المخصص لقطاع الصحة وضعف الاستثمار وهذا ما يؤكد ارتفاع مستوى انفاق الاسر المغربية الذي قد تجاوز 60 في المائة ومن جيوبها في ظل جائحة كورونا لتظل بذلك الأسر المغربية تتحمل الاعباء الصحية والكلفة الاجمالية للصحة فضلا عن ضعف جودة الخدمات الصحية وارتفاع معدل الوفيات داخل المستشفيات و مستعجلاتها “.
و صنف المغرب ضمن أسوء العشرين دولة في التمتع بالرعاية الصحية والرفاه وفق مؤشر ” انديغو ويلنس ” بسبب تدني جودة الخدمات الصحية وعدم رضى المواطنين عن مستوى الخدمات الصحية المقدمة بنسبة تفوق 80 % بسبب النقص في الموارد المالية والبشرية و هشاشة البنيات التحتية والنقص في الأدوية والتجهيزات والمستلزمات الطبية او تقادمها او تعطيلها و فقدان أدوية ضرورية بما فيها ادوية المستعجلات لتقديم خدمة صحية جيدة ، وبسبب سوء الحكامة وغياب المحاسبة واستشراء مظاهر الفساد والإهمال في عدد من المؤسسات الصحية ، نذكر منها على سبيل المثال، حالة أكبر مركز استشفائي جامعي بالمغرب، الذي يضم عشر مستشفيات و يتحمل مسؤولية العلاجات الثلاثية ورتب في أسفل ترتيب المستشفيات الجامعية على المستوى الدولي بعد أن كان يحتل أول مرتبة على المستوى الافريقي وتراجع بشكل كبير بسبب ضعف قيادته الإدارية والتدبيرية واستهتار وإهمال لحقوق المرضى رغم ما تخصصه له من خزينة الدولة من ميزانية ضخمة لا يتم استثمارها في تحقيق اهداف الرعاية الصحية للمواطنين .
ونبهت الى توجه الاغلبية الساحقة من المرضى الى القطاع الطبي الخاص وإضفاء طابع تجاري على الرعاية الصحية الوطنية وقائمة على الربح المادي ، حيث اصبحت هيمنة القطاع الطبي الخاص وشركات الادوية قوية في المنظومة الصحية الوطنية التي تستلهم 87 في المائة من نفقات صناديق التامين الاجباري عن المرض امام انهيار تدريجي للقطاع الصحي العام ومستشفياته ، وأصبح المرضى محدودي الدخل يفضلون التوجه للقطاع الطبي الخاص ، يواجهون فوضى الاسعار التي تفرضها بعض المصحات والمختبرات وشركات الادوية ، ضدا على التعرفة المرجعية الوطنية التي اقرتها الوكالة الوطنية للتامين الصحي . و الكلفة الحقيقية للأدوية المصنعة محليا او مستوردة من الخارج الى درجة ان اسعار بعض الادوية تتجاوز مثيلاتها في دول الجوار او اوروبا أحيانا بازيد من 200 % وخصاص مهول في الموارد البشرية يتحاوز 54 في المائة من الحاجيات من الممرضين والاطباء حسب معايير منظمة الصحة العالمية فضلا عن بيئة عمل غير لائقة تدفع بالكثيرين الى الهجرة نحو القطاع الطبي الخاص أو الى الخارج 10 الف ” طبيب مغربي يشتغلون في أروبا”.
ودعت الى مراجعة جدرية للمنظومة الصحية و إحداث نقلة نوعية في مجال الرعاية الصحية لتواكب هذا التحول في تعميم التغطية الصحية لجميع المغاربة، بمفهوم العدالة الصحية والغاء نظام الصحة بسرعتين التي كرسها نظام المساعدة الطبية لدوي الدخل المحدود “الراميد ” الذي كان مخصصا للفقراء، والمعوزين ولم يحقق أهدافه وخلف ورائه ماسي الاهمال والتهميش والاقصاء، وهي مقاربة عادلة ستساعد في زيادة قدرة المواطنين الأكثر ضعفا في على الحصول على الرعاية الصحية الكاملة مجانا وبالجودة المطلوبة دون تمييز وفق استراتيجية ومنهجية شاملة ، لإزالة أشكال الظلم والإقصاء الاجتماعي والفوارق المجالية، وعدم الإنصاف التي تمنع ملايين المواطنين وخاصة الفقراء والمعوزين وساكنة مدن الهامش والبوادي من التمتع بحياة طويلة موفورة الصحة..كل هدا يتطلب بناء نظام التأمين الصحي الاجتماعي الشامل، يحقق العدالة الاجتماعية وجودة الخدمات الصحية للجميع .
وشددت الشبكة، على أنه “لا يمكن ان تحقق بلادنا التغطية الصحية الشاملة دون التأثير الايجابي على المحددات الاجتماعية للصحة، بهدف سد فجوة العدالة الاجتماعية والفوارق الطبقية والمجالية وبالتالي بالموازاة مع المشروع الملكي للحماية الاجتماعية والتامين الصحي الشامل لجميع المغاربة، لا بد من اعادة النظر في السياسة الصحية المتبعة والتوقف عن الارتجال والترقيع وسياسة اللحظة والقيام بتغيير جدري للمنظور الحالي والمقاربة الكلاسيكية التي ابانت عن محدوديتها وفشلها في عدة جوانب من العملية الصحية ، خاصة على مستوى صناعة القرار السياسي الصحي خارج منظومة مندمجة للسياسات العمومية وفي اطار الجهوية الصحية الحقيقية مؤطرة بقوانين و بصلاحيات واسعة ، والبدء في تتفيد مشروع الوكالات الصحية الجهوية التي تضم كل المؤسسات الصحية في منظومة مندمجة متكاملة بما فيها المستشفيات الجامعية وكليات الطب والصيدلة واجراحة الأسنان والمعاهد العليا للتمريض والتقنيات الصحية وتشجيع مراكز البحث العلمي الطبي والتمريضي وتوفير امكانيات متوازنة مالية وبشرية ولوجستيكية، حسب الحاجيات والمؤشرات الديمغرافية والوبائية والاجتماعية بالجهة ، وتعزيز دور الحكامة والاخلاق المهنية وتحسين أجور وتعويضات مهنيي الصحة وتحفيزهم على تحقيق نتائج افضل في الرعاية الصحية المتكاملة وفقا لمعايير الجودة الإسراع بخلق وكالة وطنية للأدوية والصيدلة والتجهيزات والمستلزمات الطبية و تأهيل مؤسسات اليقظة الدوائية والتتبع الصحي والوبائي باستعمال التكنلوجية الحديثة ، وهي الالية التي يجب أن تصاحب تطبيق قانون التأمين الصحي الاجتماعي الشامل وتحقيق قيم التضامن والعدالة في الرعاية الصحية بشكل فعال ومستدام.