أمل غزف
يخيل إلينا منذ الوهلة الأولى أن كل شيء حقيقي من حولنا، وأن هناك حياة واحدة حقيقية؛ فعندما نصطدم بالواقع تكون صدمة قوية وموجعة،لأننا فعلا نعيش في عالم مزيف مغلف بغلاف يسمى بالوهم وهذا أصعب ما في عالمنا ، فنحن محاطون ببائعي الوهم يبيعون لنا الوهم ملفوف في ورق جميل وأنيق يجذبنا إليهم كأنهم يقدمون لك هدية غالية الثمن لمنحنا الأمل وأسر القلوب ،لكنهم يبعون لك الوهم بكل إحترافية وإبداع من أجل أن يعيشوننا في ذلك العالم المزيف الخاص بهم ويحكمون علينا بالإغلاق في دائرة لا نستطيع الخروج منها ،لأنهم أوهمونا بكل براعة وذكاء دون أن نشكك فيهم وفي مصداقيتهم ، فمهما تطور العالم من حولنا وتقدمنا أشواطا ضوئية لكننا لازلنا مقيدين بأشخاص يحملون نفس الصفات المشتركة فهم يعيشون بيننا يرسمون لنا طريق السعادة ليسكب عليه حبر التعاسة ، فهم يصنعون لنا الأحلام فوق السحاب فتنسفها عاصفة من الكوابيس المزعجة بتحطيم أحلامنا وادخالنا في دوامة الأمراض النفسية، لانهم خبيرين في سرقة الفرحة والسرور من القلوب ، فهذه هي آفة العصر علينا أن لا نصدقهم ولا ننجرف وراء بائعي الوهم التي صنعوها ونؤمن بهم ونقع في فخ أوهامهم ، لأنهم بتلك الطريقة يريدون أسر القلوب لكننا بعد ذلك سنتجرع مرارة الخذلان في كأس مكسور .
هذا العالم المليء بالأوهام المزيفة بعيد كل البعد عن عالمك الحقيقي الذي تعيشه بكل أحلامك وأمنياتك جاهدا للوصول الى مانصبو إليه ، لكنهم يعملون كل ما في وسعهم لتدميرك وإعطائك جرعة من المخدر في شرايينك لكي لا تثور ولا تهاجم جالس في مكانك تشاهد دون ان تتكلم فالمشهد لم ينتهي بعد فالمسرح مسرحهم فلا يمكن لأحد أن يعترض على ما يفعلوه ،فالكل مخدر بجرعة عالية من المخدر لكنه نوع من أنواع المخدر ثقيل العيار المغيب للوعي، للاسف هذا هو عالمنا الذي نعيش فيه نرى هدوءا في كل مكان هذا الهدوء عجيب جدا رغم المعاناة ،عجيب أمرنا نعيش بدون روح كأن الروح فارقتنا منذ زمن بعيد والجسد مات فيه الشعور من كترة الطعنات الحياة ، لا أحد يعبر ولا أحد يصرخ كأن الصوت حجبه ركام زلزال قوي ولم يعد أحد يسمعه ، يا للهول لهذه الدرجة لم يبقى معنى لأي شيء أم أننا عشنا في الوهم أكثر من اللازم وإستيقاظنا منه أصبح مستحيلا ، فهناك كثير من بائعي الوهم وإستغباء الشعوب أمرا وارد فهذا ما نعيشه ونصدقه ، في كل مرة نسمع عن عدة مبادرات وعدة تصريحات وإصلاحات تدب فينا لحظة حماسة فطرية؛ لأن هنالك شيء بداخلنا يسهل خداعه ويسهل التهليس عليه إسمه الأمل ، ومن يعبث بهذه البضاعة ويحاول التهليس والتدليس عليها نسميه بائع الوهم وبائعو الأمل، فهم أشد خطورة وأشد عداوة من قنبلة ناسفة، ما نحظى به في هذا العالم المزيف هو المزيد من تدهور قضايانا وإنحطاط حقوقنا فتجار الوهم موجودين في كل بقاع العالم يتغدون على أوجاع غيرهم مسرورين بإنتصاراتهم وتدليل شعوبهم فبائعي الوهم لا يهمه أي شيء سوى أن يصل ولو على أشلاء الأخرين، فإن الإستغراق في الوهم ضلالٌ لا ينتهي إلا بواقِع يَصْفَع، فالوهم لا يصنع مجدا للشعوب لكنه يعيشهم في صدمات نفسية دون الأخد بالإعتبار البعد الإنساني ، فنكتشف على أنه عالم مزيف مزخرف ببائعي الوهم حتى وقعت الشعوب فريسة هذا الوهم نتيجة سياستهم تلك لتحقيق وهمهم وعبثهم في المجتمع الى حد اللامعقول حتى يؤدي ذلك الى الإنفجار المجتمعي ،فاللبس واضح لما يعتريه عالمنا المزيف من مفارقات يشوبها الغموض فقراءة الواقع تختلف كثيرا عن قراءة رسائلهم ذات فحوى مفبرك لتتماشى مع مصالحهم لكي نبقى غارقين في تسويق لنا الوهم بمختلف الوسائل المتنوعة، ففي الحقيقة نحن نعيش سراب لواقع مرير دون الأخذ بعين الاعتبار الثمن الإنساني الذي يمكن دفعه مجاناً لتحقيق ذلك الوهم وبذلك سوف نصبح ضحية لوطن تجرع فيه أبنائه كل صنوف الظلم والقهر والتهميش .
لقد مللنا من سماع نفس الشعارات فالوهم الذي تبيعوه لنا متعب لنا أكثر مما تفعل الحقائق المزعجة ،فلا تؤمنو بهذه الأوهام على نطاق واسع مع أنها ليست موجودة في الواقع ،فعيوننا فاضت ألما وحزنا من بائعي الوهم فلا توجد حقيقة مطلقة لأننا انجرفنا وراء السراب الذي دمر حياتنا فلا يجتمع الأمل مع بائعي الوهم ولا يجتمع النصر مع مولدات الهزيمة، نأمل أن يتغير المشهد يوما ما لينمو ذلك الأمل الذي تذوق مرارة الهزائم ليمنح الشعوب نهضة جديدة مختبئة بين أحضان الحياة ليعم العيش الرغيد والتحرر من أوهامهم ومعايشة الواقع الحقيقي.