طارق ضرار
“بوكا” يستعد فرحا للقاء الزعيم النقابي..يمشي مرحا ويهرول في الحي كطفل ينتظر قدوم والده من العمل.. سحنته العمالية تكشف زمنا من التعب و الشقاء في معمل السكر…يحاول الحديث الى الناس عن لقائه بالزعيم…وبطولات الاحتجاج والتظاهر ضد الرأسماليين ومحاربتهم للإقطاعيين…يفتخر بمرافقته للزعيم النقابي والدفاع عن الطبقات العمالية الكادحة…كان أول المتظاهرين و كان أول المحتجين في كل إحتجاج وتظاهر.. وفي كل مسيرة تراه يحمل الأعلام الوطنية ورايات النقابة والبيانات والبلاغات…عاش “بوكا” على النضال صباحا بالحديث عن البطولات النقابية ومساءا يطلق أغاني ثورية…كان الحي يصدح بأغاني مارسيل خليفة وأميمة الخليل… وناس الغيوان…
دائما يناديني طارق اليوم ستكون السهرة ثورية الى الصباح…بابتسامة ألاقي حديثه وبإعجاب استمع اليه…الأغاني الثورية كانت تكسر هدوء الحي ليلا..يستيقظ صباحا ليحتسي قهوته بمقهى الحي وينظر الى الناس باحثا عن نظرة اعجاب أو كلمة دعم لمساره النقابي.. إنه بوكا مرافق الزعيم النقابي الذي لا يعرفه…. ظل بوكا لسنوات يرافق الزعيم …في حين أن الزعيم لا يعرفه و لا يعرف بطولاته ولا يسمع لأغانيه الثورية ولا يعرف لياليه دفاعا عن النقابة لا يعرف مقهاه التي يرفع فيها شعارات النقابة.. الزعيم لا يعرف أن بوكا يستحضر في المقهى و الشارع أقوال الزعيم..ولا يعرف أنه عامل بسيط ويقطن بشقة بسيطة… فما يشاهده الزعيم هو أن “بوكا” عامل من جيش العمال المناضلين بالنقابة بمعمل السكر يحمل رايات وأوراق و يهتف بشعارات نقابية…وأحيانا يصفق للزعيم وفي كثير من الأحيان يجمع الكراسي والزرابي من محيط النقابة…
لامس الحمق “بوكا” في بعض الأيام..وتحولت الشعلة و الحماس النقابي الى هدوء قاتل..صمتت الأغاني الثورية…وغابت الأحاديث النقابية بالمقهى.. كان مروره بالشارع محط جميع الأنظار..أنه بوكا مرافق الزعيم الانقابي… مسكين لقد جن جنونه..مسكين أصيب بمرض..لكن “بوكا” كان يمارس نوعا جديدا في النضال من أجل العيش..وهو السير قرب الحائط.. و “الدخول سوق راسو”… في نوع جديد من النضال للحفاظ على لقمة العيش و الحفاظ على عمله.. والحفاظ على بيته وأسرته..نضال حذر ارتدى معه عباءة الحمق ليجالس الجميع ويستمع للجميع ويحلل ويناقش الأمور في نفسه… كان يمشي ليحتسي قهوته بهدوء وينهض متثاقلا في مشتيه حتى يصل الى بيته..ترك بعضا من لحيته..وهمل هندامه… فكان الدور الجديد من مرافق النقابي الى نقابي مجنون… قمة في الأداء و التشخيص…ارتدى عباءة دوره الجديد رغما عنه بعد اتهامه بالمعمل بمحاولة قتل عامل “عميل” ..كانت محاولة “بوكا” إخراس صوت عملاء الرأسمالية بالشركة في سبيل رفعة النقابة وإعلاء صوت وشعارات العمال الكادحين ودفاعا عن الطبقة العمالية للتصدي لبقايا “الطابور الخامس”…كانت التهمة كافية لزجه في غياهب السجون ورميه للشارع بتهمة أولى خفية على “أنه نقابي ومرافق للزعيم النقابي وشخص يستمع لمارسيل خليفة وناس الغيوان ويصدح بأغنية ” ما أنا براني ما أنا وحداني غير السمطة لي عليا” .. فيما التهمة الثانية “محاولة قتل” عامل آخر …جاءت التهمة على مقاص حربائية السياسي و الرأسمال المتحكم في الشركة لإطفاء وهج ثورية رجل بسيط يعيش على نوع من النضال للشعور بوجوده وكيانه في عالم طغت عليه الرأسمالية ولغة المال ولغة “عطيني نعطيك”..إتهام “بوكا” محاولة من الرأسماليين للإقتناص منه وجعله كبش فداء ليكون عبرة للنقابيين والعمال البسطاء…