اتسع العالم واتسعت دائرة المعارف والتقنيات ومعها اتسعت دائرة نهب ثروات الشعوب بطريقة “ناعمة” جدا. هنا يتعلق الأمر بالتهرب الضريبي من قبل عمالقة الأنترنيت. هذا ما دفع الدول العربية إلى التكتل قصد إجراء مفاوضات مع كبريات الشركات الإعلامية والرقمية العالمية، على غرار ما جرى في أوروبا وفي غيرها من التكتلات.
طبعا يعتبر المغرب من أهم البلدان استخداما للأنترنيت، وفي الوقت نفسه يعتبر من أكثر البلدان عرضة لضياع كتلة كبيرة من الضرائب في هذا المجال، الضرائب المتعلقة بالإعلانات، التي أصبحت تحت سيطرة مواقع التواصل الاجتماعي والشبكات الاجتماعية، وهذا الأمر يؤثر سلبا على الإعلام العمومي.
تكتل العرب في مواجهة الشركات القوية المتعددة الجنسيات في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصال، مهم للغاية باعتبار أن هذه الشركات لن تعترف لدولة لوحدها بشيء، ولكن يمكن للتكتلات أن تأتي بنتيجة مهمة، والمغرب يدعو إلى السير في هذا الاتجاه.
لكن الذي ينبغي أن ننتبه إليه أن اللجنة العربية للتفاوض مع الشركات العملاقة في المجال منتبهة إلى الأمر، إذ الهدف هو تعزيز الحقل الإعلامي والدفاع عن الثوابت الوطنية، وتعزيز المحتوى الملائم، والحفاظ على المكتسبات والقيم الدستورية مثل الهوية المغربية والوسطية، والتعددية ومحاربة العنف والتطرف والإسلاموفوبيا وخطاب الكراهية وازدراء الأديان. إذن هو برنامج متكامل، وما ذهب إليه المغرب هو مشترك مع كل الدول العربية، فالأمر يتجاوز قضية التهرب الضريبي إلى مجال الحرب الثقافية.
والمغرب كان واضحا إذ يرى أن هذه المواجهة لن تتم لكل دولة على حدة وبشكل منفرد، ولن تؤتي أكلها إلا بالتعامل مع هؤلاء العمالقة العالميين، في إطار عمل عربي جماعي ووفق مقاربة تشاركية، وتطوير استراتيجية تفاوض واضحة ومحددة بشكل جيد فيما يتعلق بالمتطلبات تجاه كبريات الشركات الإعلامية والرقمية العالمية.
ولا يمكن للعرب أن يحصلوا على نتائج مهمة إلا بإرساء أساس للتفاوض على المستويين الاقتصادي والإعلامي مع عمالقة تكنولوجيا المعلومات والاتصال، بهدف مواصلة الدفاع عن مصالح الدول العربية وقيمها المجتمعية، وحماية المحتوى الإعلامي العربي ضد “الأخبار الكاذبة” ومكافحة الإسلاموفوبيا والعنف وخطاب العنصرية والتطرف والكراهية وازدراء الأديان.
وكانت اللجنة الوطنية لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي قد راسلت 11 مؤسسة مماثلة الشركات الكبرى العاملة في المجال الرقمي، وكان الغرض من المراسلة المشتركة هو توحيد الرؤية العربية حول التعامل مع عمالقة الأنترنيت، الذي أصبح اليوم مهددا للجميع ومتجاوزا للكل باعتبار همينة التقنيات على حياة الناس وتوجيهها أينما يريد الفاعلون الحقيقيون، وبالتالي وجب المواجهة.
لماذا العرب ينبغي أن يواجهوا بشكل مشترك؟
لا يتعلق الأمر هنا فقط بحقوق مالية يمكن أن تضيع منا، ولكن الأمر أكثر من ذلك، فهو يتعلق بالحقوق الثقافية وحماية الهوية وهذا ما يشترك فيه العرب ويمثلون من خلاله تكتلا إقليميا يمكن أن يواجه الشركات الكبرى.