شهدت العلاقات المغربية البرازيلية خلال السنوات الأخيرة تطورًا لافتًا، لا سيما في المجال الدفاعي، حيث بات التعاون بين البلدين يتخذ طابعًا استراتيجيًا يتجاوز مجرد اقتناء العتاد العسكري إلى آفاق أرحب تشمل توطين الصناعات الدفاعية في المملكة. ويبدو أن اختيار المغرب لطائرة النقل العسكري البرازيلية KC-390 Millennium ليس سوى خطوة ضمن مسار متكامل يعكس رؤية الرباط لتعزيز قدراتها الجوية والصناعية في آنٍ واحد.
نقلة نوعية في التعاون الدفاعي
أكدت مصادر متخصصة في الشؤون الدفاعية أن المغرب استقبل مؤخرًا طائرة من طراز KC-390 Millennium في القاعدة الجوية بالقنيطرة، وذلك في إطار تقييم فني يشمل تجارب ميدانية واختبارات تشغيلية قبل إبرام اتفاق نهائي. إلا أن المعطى الأكثر أهمية هو المفاوضات الجارية بين الرباط وشركة إمبراير البرازيلية لبحث إمكانية تصنيع هذه الطائرة داخل المغرب، وهي خطوة من شأنها أن تعزز مكانة المملكة كمركز لصناعات الطيران العسكري في القارة الأفريقية.
ويمثل هذا التعاون امتدادًا لعلاقات اقتصادية متنامية بين المغرب و”إمبراير”، حيث سبق أن دخلت الشركة في مفاوضات مع الخطوط الملكية المغربية ضمن صفقة ضخمة لاقتناء 188 طائرة مدنية، ما يعكس حجم الارتباط المتزايد بين الجانبين.
صناعة دفاعية مغربية برؤية أطلسية
لم يكن اختيار المغرب لـ”إمبراير” في قطاع الطيران العسكري والمدني صدفة، بل يأتي في إطار رؤية استراتيجية أوسع لتعزيز التعاون مع قوى صاعدة في الفضاء الأطلسي، وهو التوجه الذي تجسد بوضوح في خطاب الملك محمد السادس بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء عام 2023، حيث دعا إلى إطلاق مبادرة دولية لتمكين دول الساحل من الوصول إلى المحيط الأطلسي.
وفي هذا السياق، أعلنت الحكومة المغربية في أكتوبر 2024 عن توقيع مذكرة تفاهم مع “إمبراير” لإطلاق مشاريع مشتركة في المغرب تشمل مجالات الطيران التجاري، والدفاع، والتنقل الجوي الحضري. وتؤكد هذه الخطوة الرغبة في إرساء منظومة متكاملة للصناعات الجوية والدفاعية، ما يوفر فرصًا جديدة لتطوير المهارات المحلية واستقطاب الاستثمارات.
وبحسب وزارة الصناعة والتجارة المغربية، فإن الاتفاق يهدف إلى تشييد منظومة تصنيع متكاملة في المملكة، تشمل الإنتاج، والصيانة، والإصلاح، والتكوين، وهو ما قد ينعكس على الاقتصاد الوطني بإحداث 300 منصب شغل بحلول 2030، مع إمكانية وصول الأثر الاقتصادي إلى مليار دولار أمريكي بحلول 2035.
تحولات جيوسياسية تعزز الشراكة
يعود التعاون الدفاعي بين المغرب والبرازيل إلى سنوات، لكنه شهد تطورًا بارزًا في 2023، عندما صادق البرلمان البرازيلي على اتفاقية التعاون الدفاعي مع المغرب، التي كانت قد وُقعت عام 2019. وتشمل هذه الاتفاقية تنظيم تدريبات عسكرية مشتركة، وتعزيز البحث والتطوير في مجال الدفاع، ونقل التكنولوجيا، والتعاون في إنتاج المعدات الدفاعية.
وفي خطوة أخرى تعكس متانة العلاقات، وافق المجلس الوزاري المغربي، في يونيو 2024، على إحداث منصب ملحق عسكري لدى سفارة المملكة في برازيليا، وهو مؤشر على الأهمية المتزايدة التي توليها الرباط لهذه الشراكة.
وتزامن هذا التطور مع قرار البرازيل اعتماد خريطة المغرب الكاملة، بما يشمل أقاليمه الجنوبية، وهو ما أعلنه المعهد البرازيلي للجغرافيا والإحصاء في سبتمبر 2024، خلال تقديمه الخريطة رسميًا إلى الرئيس لولا دا سيلفا بمناسبة ترؤس بلاده لمجموعة العشرين.
نحو نموذج مغربي في التعاون العسكري
يُنظر إلى المغرب اليوم كفاعل رئيسي في تعزيز التعاون جنوب-جنوب، من خلال شراكات متعددة تشمل أوروبا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا. ومع استمرار المملكة في تنويع مصادر تسليحها وتعزيز قدراتها التصنيعية، يبدو أنها تتجه إلى ترسيخ نموذج مغربي في الصناعات الدفاعية، يقوم على نقل التكنولوجيا، وتوطين التصنيع، وتوسيع الشراكات الاستراتيجية.
في ظل هذه الدينامية، لا يقتصر التعاون المغربي البرازيلي على شراء طائرة KC-390، بل يمثل تحولًا نوعيًا في العلاقات بين البلدين، يضع أسسًا لصناعة دفاعية واعدة في المملكة، قد تجعلها قريبًا مركزًا إقليميًا لصناعات الطيران العسكري في القارة الأفريقية.